الأبدية
التعريف
الأبد
«الأبد»: الدهر؛ أي: مدة الزمان الممتدّ، والزمن الذي لا نهاية له؛ أي: استمرار الموجود إلى مستقبل غير متناهٍ، ويقابله الأزل: وهو الذي لا يعرف وقت بدئه[١].
«الأبد: الدائم، والتأبيد: بمعنى التخليد، وأَبَدَ بالمكان يأبِدُ أُبُوداً: أقام به ولم يَبْرَحْهُ»[٢].
وقال الراغب: «الأبَدُ: عبارة عن مُدّة الزمان الممتد الذي لا يتجزّأ كما يتجزّأ الزمان، وذلك أ نّه يُقال: زمان كذا، ولا يقال: أبدُ كذا وكان حقّه ألا يُثنّى ولا يجمع إذ لا يُتصوّر حصول أبد آخر يضم إليه فيثنّى به، لكن قيل: آبادٌ؛ وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناولُهُ، كتخصيص اسم الجنس في بعضه، ثمّ يثنى ويجمع. على أ نّه ذكر بعض الناس أنَّ آباداً موَلّد، وليس من كلام العرب العرباء»[٣].
وقيل: جمع الأبد: أُبُود أيضاً بوزن فُلُوس[٤].
وقد فرّق الكفوي بين الأبد والأمد قائلاً: «الأبد عبارة عن مدّة الزمان التي ليس لها حدّ محدود، ولا يتقيّد فلا يقال: أبد كذا، والأمد مدّة لها حدّ مجهول إذا اُطلقت، وقد ينحصر فيقال: أمد كذا، كما يقال: زمان كذا»[٥].
وثمّة فرق بين الأبد والدهر، فالدهر جاء في القرآن الكريم بمعنى الزمن المعلوم نحو قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾[٦].
والدهر قد ينقطع، أمّا الأبد فهو الاستمرارية الدائمة دون انقطاع.
في نهج البلاغة
قال الإمام علي(ع) مبيّناً قدرة الله تعالى وعظمته: «أنْتَ الْأبَدُ فَلا أمَدَ لَكَ، وَأنْتَ الْمُنْتَهَى فَلامَحِيصَ عَنْكَ»[٧].
أي: أنت ذو الأبد - أي: الدائم - فلا غاية لك يقف عندها وجودك؛ لأنّك واجب الوجود الذي لا ينتهي، كما أنّه لا مهرب من لقائه ولا خلاص من حسابه.
وهذا المقطع جزء من خطبته(ع) التي تعدّ من أفصح وأبلغ خطب نهج البلاغة إضافةً إلى عظم محتواها وقد أسموها «بالزهراء».
وقال(ع) في ذمّ الدنيا: «فَقَدْ رَأيْتُمْ تَنَكُّرَها (شُكْرَها) لِمَنْ دانَ لَها، وَآثَرَها وَأخْلَدَ إلَيْها، حِينَ ظَعَنُوا عَنْها لِفِراقِ الْأبَدِ»[٨].
دان لها: خضع وذلّ؛ وآثرها: اختارها وفضلها؛ واخلد إليها: اطمأنّ وسكن؛ ظعنوا: ارتحلوا. أي: حينما رحلوا عنها إلى الآخرة، وفارقوها إلى اللّا لقاء؛ أي: لا رجوع فيها.[٩]
المؤبد
«المؤبد»: ما لا نهاية له، ويقال: سجن مؤبّد؛ أي مدى الحياة، ووقف مؤبّد، للذي جُعِل حبيساً طوال الدهر؛ لا يُباع، ولا يُورَث[١٠].
ومن حِكَم الإمام علي(ع): «الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ»[١١].
أي عبودية دائمة، شبّه الطمع بالرقّ المؤبّد بلحاظ ما يستلزمه من انجراف الطامع إلى الذلّ والهوان؛ بسبب ما يترقّبه من عطاء الناس له، فهو عبد مؤبّد لا يعتق من العبودية، فهو تشبيه بليغ.
وفيه أيضاً من فنون البديع الإبداع؛ وهو الإتيان بالمعاني البديعة في الفاظ حسنة بعيدة عن التكلف.[١٢]
الأبدية
الأبدية: دوام لا نهاية له، وحياة أبديّة: خالدة، والمراد بها الآخرة.
ولا آتيه أبَدَ الأبدية وأبَدَ الآبدين وأبَدَ الآباد وأبَدَ الدهر؛ بمعنى واحد.
والأبدي: ما لا ينعدم، أو ما لا نهاية له، أو مضى على وجوده زمن بعيد، فهو باقٍ دائماً على حاله.
والأوابد: الوحوش؛ سمّيت بذلك لطول أعمارها حسب ما يعتقده العرب.
وأَبَدَ الشاعرُ يأبِدُ أُبُوداً: إذا أتى بالعويص في شعره، وهي الأوابد والغرائب وما لا يُعْرَف معناه ابتداءً.
في نهج البلاغة
قال الإمام علي(ع) مبيّناً أنّ المخلوقات لا ترجع إلى شيء أبدي أزلي: «لَمْيَخْلُقِ الْأشْياءَ مِنْ أُصُولٍ أزَلِيَّةٍ، وَلا مِنْ أوائِلَ أبَدِيَّةٍ، بَلْ خَلَقَ ماخَلَقَ، فَأقامَ حَدَّهُ»[١٣]؛ أي أنّ الله سبحانه لم يخلق الأشياء من شيء كان منذ الأزل، ويدوم إلى الأبد، بل أوجد الأشياء أوّلاً، ولم تكن من شيء، ثمّ صنع ما صنع، فاتقن صنعه وتدبيره.
وفي «أزلية» و«أبدية» سجع متوازٍ، إذ ردّدت الألفاظ ذات المعنى الواحد لتوكيده.[١٤]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ الكليات، ج١، ص١١٥؛ التعريفات، ص٥؛ المصباح المنير، ص٥؛ المعجم الكبير (مجمع اللغة العربية، ١٩٧٠م) ج١، ص٢٨.
- ↑ لسان العرب، مادة: (ابد).
- ↑ مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الاصفهاني، ص٥٩؛ عمدة الحفاظ، ج١، ص٤٦؛ تاج العروس مادة: (ا ب د).
- ↑ ينظر: مفردات ألفاظ القرآن، ص٥٩.
- ↑ الكليات، ص٩-١٠.
- ↑ سورة الإنسان، الآية ١.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٠٩.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١١١.
- ↑ السيد جعفر السيد باقر الحسيني، شرح مفردات نهج البلاغة ، ج۱، ص ١٦-١٧.
- ↑ المعجم الكبير، ج١، ص٣٠.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ١٨٠.
- ↑ السيد جعفر السيد باقر الحسيني، شرح مفردات نهج البلاغة ، ج۱، ص ٢٢.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٦٣.
- ↑ السيد جعفر السيد باقر الحسيني، شرح مفردات نهج البلاغة ، ج۱، ص ٢١.