الريبة في علم الأخلاق

من إمامةبيديا

تمهيد

من الصّفات الرّذيلة الرّيبة، وهي ضدّ اليقين، أي: اضطراب لنّفس بالوهم والوسوسة والشّكّ والظّنّ غير المعتبر كالحسرة والخيال.

قال في مجمع البحرين «وحقيقة الرّيبة قلق النّفس واضطرابها».

فالنّفس قد تطمئنّ ولا قلق ولا اضطراب لها فتلك الصّفة سمّيت يقيناً لها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا[١] وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ[٢]

وتلك الصّفة تحصل بذكره تعالى، قال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[٣]

وقد تضطرب ولها قلق واضطراب وهمّ وحزن وخوف ويقع فيها دائماً الشّكوك والتّوهّمات والتّخيّلات والوساوس وليس لها ثبات بتاتاً.

قال تعالى: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ[٤] وتلك الصّفة تحصل بالبعد عن الله تعالى.

قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ[٥]

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ[٦]

فالحاصل ممّا ذكرناه إلى هنا انّ لليقين اضداداً كثيرة وان كان يجمعها لفظ واحد وهي الرّيبة، فهي وهؤلاء مصاديقها.

بل يمكن ان يقال إن الجهل بمصاديقه البسيط والتّرديدى والمركّب من أضداد اليقين ايضاً لانّ المراد بالجهل البسيط هو عدم العلم، وهو تفيض العلم من باب العدم والملكة، فهو نقيض اليقين ايضاً، لانّ اليقين كما مرّ نوع خاصّ من العلم ومرتبة من مراتبه.

والمراد بالجهل الترّديدى هو الشّكّ المستقرّ، فهو من أضداد العلم اليضاً، لانّه جهل بالواقع ونفس الأمر وان كان صفة للنّفس وهي تساوي طرف شيء مع نقيضه فهو لا محالة ضدّ اليقين ايضاً.

والمراد بالجهل المركّب هو عدم العلم بالواقع ونفس الامر مع انّ الجاهل يُخيّل إليه انّه علم، فهو ضدّ العلم ايضاً، ولا محالة يكون ضدّ اليقين ايضاً، فلليقين اضداد كثيرة، يجب هنا بيانها وإثبات انّها رذائل وبيان مفاسدها.

بل يصحّ ان يقال انّ القسوة وعمى القلب والغفلة وأمثالها من اضداد اليقين أو نقائضه ايضاً.[٧]

اقسام الرّيبة

الشّكوك غير المستقرّة

من الرّذائل الّتي توجب خسران الدّنيا والآخرة هي الشّكوك غير المستقرّة وهي صفة رذيلة لا يمكن لصاحبها ان يصمّم في الأمور فيختار منها ما هو الأليق به وهو يذيذب دائماً حتّى في الأمور العادية وهي ضدّ اليقين وثبات الفكر وهذه الصفة قد تكون في الأمور العادية فتمنعه عن أكثر الخيرات والبركات.

وقد تكون في تحصيل العلم أو المهمّة فهي مانعة غالباً عن الوصول إلى الهدف والمقصود ولا يجد صاحبها سبيلًا إلى العلم أو الشّغل، لانّه يأخذ في علم أو شغل ثمّ يدعه ثمّ يأخذ فيهما أو غيرهما مراراً فيصرف عمره في التّرديد والشّكّ، ثمّ ينتبه فيرى انّه في اوّل الطّريق والعمر في آخره.

وقد تكون في الدّين وهذا القسم أسوء حالًا من قبله، لانّه يوجب خسران الآخرة، قال تعالى: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً[٨]

والحاصل انّ القرآن يُصرّح على انّ المذبذب له خسران الدّارين.

وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ[٩].[١٠]

التّوهّمات والتّخيّلات والظّنون غير المعتبرة

وهي حالة رذيلة وقد اكدّ في الشرع المبين على النّهى عن اتّباع هذه الأمور.

قال تعالى: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ[١١]

والخرص هو الحدس الّذي يشمل التّوهمّات والتّخيّلات والظّنون، فالآية مضافاًالدّعاء عليه، تحكم انّه كمن يكون في بحر عميق مظلم وليس له سبيل إلى الواقع.

والتّشبيه في غاية الفصاحة والبلاغة وأمثال الآية كثيرة.

قال تعالى: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ[١٢]

وقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ[١٣]

وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[١٤]

وينبغي لنا ان نتذكّر انّ هذه الصّفة من التّوهمّات والتّخيّلات والظّنون قد تؤدّىمصيبة عظمى، وهي انّ الإنسان الّذي له هذه الصّفة قد يتوّهم انه على شيءٍ، فتتحرّك فيه نفسيّة الفرعونيّة ورعونتها، فيدّعى الالوهيّة ولا اقلّ فيستكبر على الله أو على النّاس، فيرى انّ استغلال النّاس يليق به فيطلب من النّاس أن يكونوا عبيدا له أو لا اقلّ من أن يكونوا خادميه، ويرى ذلك حقاً لنفسه فيقاتل حتّى يقتل الفاً لأخذ حقّه.

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[١٥]

ولا تتوهمّ انّ الحكاية تختص بفرعون وبذلك الزّمان بل هي من باب المثال لكلّ من فيه روح الكبر والمنيّة ولكلّ زمان وفي زماننا هذا ما يشاهد من المتجبرين هو أسوء واشدّ ممّا نقل القرآن عن فرعون واتباعه.

وقد تؤدّى إلى مصيبة أعظم منها ولا اقلّ مثلها، وهي تخيّل المكاشفات والمشاهدات ويتدرّج إلى البدع واخيراً إلى هلاكة كثير من عوام النّاس ولا اقلّ من ضلالة نفسه.

فكثيراً ما يشاهد أنّ المبتدى يفعل ما فعل الأوحدي ويدّعى ما هو للأوحدى من العارفين، وليس ذلك إلّاتوّهم وتخيّل.

وكثيراً ما يشاهد من المبتدى الجاهل ادّعا الكشف والشّهود مع انّهما تختصّان بمن يتوغّل في العلم ويروّض نفسه أزيد من أربعين سنة.

وبعض الأديان الباطلة لو لم نقل كثيراً منها، نشأ من هذه الرذيلة. نعم كثيرٌ منها نشأ من الطائفة الأولى، وهي ظهور نفسيّة التفرعن في المرء فبه ضلّوا واضلّوا على علم سيّما المتحبّرين الّذين يبتدعون الأديان الباطلة بعمّالهم ليجعلوا النّاس شيعاً وبعد التّفرقة يتسلطون عليهم.

والمصيبة الأعظم من تلك الرّذائل حصول حال الكبر والاستكبار لصاحبها على حدّ يستكبر يوم القيمة على الله تعالى.

قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ[١٦].[١٧]

الخوف والحزن

من الرّذائل حالة الحزن على ما فات والخوف عما يأتي وهي ضدّ اليقين، لانّه لوتسلّط اليقين على القلب ولو كان في مرتبته الأولى وهو علم اليقين، فلا خوف عليه ولا حزن.

قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[١٨]

ولو استيقن بالقضاء والقدر فليس له حزن على ما فات ولا خوف عليه لما يتوهم انّه يأتي وبعبارةٍ أخرى يزول عنه تلك الصفة الرّذيلة.

قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[١٩]

وكثير من النّوائب النّفسيّة والجسديّة تحت لواء هذه الرّذيلة ومن جملتها الكسل وهو يمنع عن خير الدّنيا والآخرة.

ومن جملتها الانهيار العصبى الّذي يترتب عليه بلايا كثيرة والبحث عنها طويل الذيل خارج عن محل الكلام فعلًا.[٢٠]

الوسوسة

الجهل

المراجع والمصادر

  1. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية ج ١

الهوامش

  1. سورة الحجرات، الآية ١٥.
  2. سورة المجادلة، الآية ٢٢.
  3. سورة الرعد، الآية ٢٨.
  4. سورة التوبة، الآية ١١٠.
  5. سورة الرعد، الآية ٣١.
  6. سورة الحج، الآية ٣١.
  7. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٦٧.
  8. سورة النساء، الآية ١٤٣.
  9. سورة الحج، الآية ١١.
  10. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية ج ١ (كتاب)|دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٦٩.
  11. سورة الذاريات، الآية ١٠-١١.
  12. سورة الأنعام، الآية ١٤٨.
  13. سورة النور، الآية ١٤-١٥.
  14. سورة الإسراء، الآية ٣٦.
  15. سورة القصص، الآية ٤.
  16. سورة المجادلة، الآية ١٨.
  17. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٦٩.
  18. سورة يونس، الآية ٦٢.
  19. سورة الحديد، الآية ٢٢-٢٣.
  20. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٧١.