المواساة
التعريف
«المواساة» مثل «الاُسوة» من مادة «أَسَوَ» ويدلّ على العلاج والإصلاح. و«واسَيْتُهُ» لغةٌ في «آسَيْتُهُ». يقول الفيروزآبادي في معنى «المواساة»: آساهُ بِمالِهِ مُواساةً: أنالَهُ منهُ وجَعَلَهُ فيهِ اُسوَةً، [أ][١] ولا يَكونُ ذلِكَ إلّا مِن كَفافٍ، فإِن كانَ مِن فَضلَةٍ، فَلَيسَ بِمُواساةٍ[٢].
لقد كتب الأزهريّ قائلاً: يُقالُ: هُوَ يُؤاسي في مالِهِ، أي يُساوي، ويُقالُ: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً أعطى مِن فَضلٍ، وواسى مِن كَفافٍ؛ مِن هذا[٣].
بناءً على ذلك فإنّ مشاطرة الآخرين معاناتهم، وإشراكهم في التنعّم بمواهب الحياة، يمثّل نوعا من العلاج والإصلاح في المجتمع، ويسمّى هذا العمل «مؤاساة».
والملاحظ في المواساة الماليّة هو حاجة المؤاسي لما ينفقه، فذلك شرط تحقّق مفهوم المواساة.
وبعبارة أوضح: مدّ يد العون إلى الآخرين يكون على ثلاث درجات، لكلّ منها عنوانه الخاصّ وقيمته الأخلاقيّة:
الدرجة الاُولى: مساعدة المحتاجين من المال الزائد عن الحاجة؛ وهو الإنفاق، والصدقة، والسّخاء وأمثالها.
الدرجة الثانية: إشراك الآخرين فيما يحتاجه من المال؛ وهو المواساة.
الدرجة الثالثة: تقديم حاجة الآخرين على النفس؛ وهو الإيثار، ويعتبر أسمى القيم الأخلاقيّة.[٤]
المواساة في الحديث
استعملت الأحاديث الإسلاميّة مصطلح «المواساة» بنفس المعنى اللغوي له، حيث إنّها ترِد تارةً بمعنى إشراك الآخرين في التنعّم بمواهب الحياة والإمكانات الاقتصاديّة التي يحتاج إليها الفرد. وتارةً اُخرى بمعنى رعاية العدالة في العلاقات مع الآخرين.
و«التأسّي» و«المواساة» بناء على المعنى اللّغوي، توجيهان هامّان في دائرة الثقافة الإسلاميّة في اتّجاه الإصلاح الخلقي والاقتصادي والحقوقي في المجتمع.
إنّ «التأسّي» بمن يمتلك الغنى الأخلاقي، والسعي للتشبُّه به، يقلّل الفقر الأخلاقي، وممارسة «المواساة» تزيل التفاوت الطبقي، ورعاية «المواساة» في التعامل مع الآخرين توفّر الحقوق العادلة المتساوية بين الجميع. وبهذا التفسير، لابدّ من الوقوف عند عدّة موضوعات في أحاديث هذا الباب.[٥]
أنواع المواساة
لقد أشرنا إلى أنّ «المواساة» في الحديث وردت بمعنيين:
- مشاركة الآخرين في مشاكل الحياة وصعابها، وإسهامهم في استثمار إمكانات الحياة، كما ورد في حديث عن الإمام الصادق (ع) في معرض بيان جنود العقل والجهل، حيث يقول: «وَالمُواساةُ وضِدُّهَا المَنعُ».[٦] جدير بالذكر أنّ هذه المواساة على نوعين:
- المواساة بالمال والإمكانات الاقتصاديّة.
- المواساة بالنفس عند مداهمة الأخطار.
- رعاية حقوق الآخرين بصورة متساوية، وهذا المعنى من المواساة يتجلّى في ممارسات عديدة مثل: المواساة في الحكومة؛ بمعنى إحلال العدالة الاجتماعيّة. والمواساة في القضاء؛ بمعنى إقامة العدالة القضائيّة، والتعامل بالمساواة مع طرفي النزاع. والمواساة في التعليم؛ بمعنى العدالة التعليميّة والتعامل المتساوي مع الطلّاب. والمواساة في الاُسرة؛ بمعنى رعاية المساواة في توزيع الحبّ على الأولاد.[٧]
سبب التأكيد على المواساة الماليّة
يجد الباحث في أحاديث هذا القسم أنّ التركيز وقع على المواساة في الجانب الاقتصادي. وهنا يبرز سؤال يطرح نفسه بشأن سبب هذا التأكيد على الجانب الاقتصادي من المواساة، وهو: هل هذا الجانب يفوق الجوانب الاُخرى في الأهميّة ؟
والجواب: إنّ ثمّة أنواعا اُخرى من المواساة هي دون شكّ ذات قيمة أكبر من المواساة الماليّة؛ مثل المواساة بالنفس، ومن هنا فالتأكيد في النصوص الإسلاميّة على المواساة الماليّة يعود لحاجة المجتمع أكثر إلى تحويل هذا النوع من المواساة إلى ثقافة عامّة.
من جهة اُخرى، فالمواساة في المال مقدّمة للمؤاساة في النفس، فإنّ من لا يستطيع أن يُشركَ الآخرين في ماله فهو بلا شكّ سوف لا يكون قادرا على أن يضحّي بنفسه.[٨]
كيفية نشر ثقافة المواساة
إنّ التأمّل في روايات الفصل الثالث يبيّن أنّ هذه القيمة الخلقيّة ترتبط بعاملَين أساسيّين:
- الأصالة العائليّة وشرف الانتماء الاُسريّ، ممّا يساعد على نموّ كلّ الفضائل الأخلاقيّة ومنها المواساة. يقول الإمام عليّ (ع): «إنَّ مُواساةَ الرِّفاقِ مِن كَرَمِ الأَعراقِ» [٩]
- المعتقدات الدينيّة، فبدون الإيمان بالدين لايمكن أن تنمو روح المواساة وما يفوقها من الإيثار؛ بسبب استفحال الذاتيّة والنفعيّة عند غير المتديّن.
إنّ القيم الأخلاقيّة تفقد مفهومها الواقعي في إطار تصوُّر مادّي للكون والحياة؛ من هنا فإنّ تقوية الاُسس الاُسريّة والدينيّة هي الطريق الوحيد لنشر ثقافة المواساة وحبّ النوع الإنسانيّ في المجتمع.[١٠]
عطاء المواساة
إنّ الفصل الرابع يختص ببركات المواساة مادّيّا ومعنويّا. فمن وجهة نظر النصوص الإسلاميّة، إنّ المواساة الاقتصاديّة تؤدّي إلى بقاء المحبّة والاُخوّة وزيادة الثروة، كما إنّها تزيل الفقر والفاقة من المجتمع. قال الإمام الباقر (ع): «لَو فَعَلتُم مَا احتَجتُم» [١١]
ومن الناحية المعنويّة تشكّل المواساة أصلاً من اُصول صلاح الدين ونظامه، ومن عوامل استجابة الدعاء، فالإمام الصادق يبشّر المؤاسي بأنّه ممّن تشملهم البشرى الإلهيّة في قوله سبحانه: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[١٢]. [١٣].[١٤]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ كذا رأيناه ما في النسخ، والظاهر أنّ الألف زائدة.
- ↑ القاموس المحيط: ج ٤ ص ٢٩٩ «أسا».
- ↑ معجم تهذيب اللغة: ج ١ ص ١٦٣ «أسو».
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٥٧-٥٨.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٥٨.
- ↑ الكافي: ج ١ ص ٢٢ ح ١٤ عن سماعة بن مهران.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٥٨-٥٩.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٥٩-٦٠.
- ↑ غرر الحكم: ج ٢ ص ٢١٠ ح ٣٤٠٥، عيون الحكم والمواعظ: ص ١٤٣ ح ٣١٩٣.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٦٠.
- ↑ كشف الغمّة: ج ٢ ص ٣٣٣، بحار الأنوار: ج ٧٨ ص ١٨٥ ح ١٢؛ الإخوان: ص ٢٢٣ ح ١٩٢.
- ↑ سورة الفجر، الآية ٢٧-٣٠.
- ↑ المحاسن: ج ١ ص ٢٨٣ ح ٥٥٨ عن مصعب والخطّاب الكوفيَّين، بحار الأنوار: ج ٧٤ ص ٣٩٨ ح ٣٠.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٦٠-٦١.