نقاش:شروط الإمامة
تمّ تبسيطه
تمهيد
إنّ الاختلاف الأساسي بين الشيعة والسنة في ماهيّة الإمامة وموقعها كان سبباً في ظهور العديد من الاختلافات في هذه المسألة، وبعض الاختلافات تتعلّق بالشروط اللازم توفرها في الإمام.[١]
خصوصيات الإمام عند أهل السنّة
لم يتّفق علماء أهل السنة في بيان هذه الخصوصيات، بل ظهرت أقوال كثيرة ومختلفة بينهم[٢]، منها ما ذكره الباقلاني من أنّ هناك ثلاثة شروط وهي: أن يكون قرشياً، عالماً في حد علم القاضي، قادر على التدبير الاجتماعي والسياسي[٣]، في حين ذكر الماوردي سبعة شروط هي عبارة عن: العدالة، العلم إلى حد الاجتهاد، سلامة الحواس، سلامة أعضاء البدن، التدبير، الشجاعة، وكونه من قريش[٤]، كما يرى التفتازاني أنّ الشروط اللازم توفرها في من يتولى مقام الإمامة وخلافة النبي هي: التكليف، العدالة، الحرية، الرجولة، الإجتهاد، الشجاعة، التدبير وإصابة الرأي، وكونه من قرش[٥]. هنا يلزم الإشارة إلى بعض النقاط:
- منشأ اختلاف علماء السنة هو اعتقادهم بأنّ النبي(ص) قد سكت عن هذا الأمر بالرغم من أهميته وضرورته، من هنا كان لابدّ لكل عالم منهم أن يجتهد في تقديم جواب في هذه المسألة حسب دراسته لمصالح الأمة، نعم! يجب على هؤلاء أن يُجيبوا عن سؤال أساسي هو أنّ النبي(ص) بالرغم من اهتمامه الشديد في بيان الأحكام الشرعية والعملية التفصيلية حتى في باب المكروهات والمستحبات، كيف يُمكن أن يترك بيان هذه المسألة الحياتية، فلا يُبيّن الشروط اللازم توفرها في الإمام الصالح؟!
- يؤكّد كثير من علماء السنة أنّ إمام المسلمين لا يعزل عن مقامه وإن كان فاسقاً فاجراً ظالماً، في حين أنّ هذا المدّعي يخالف اشتراطهم للعدالة في الإمام الصالح.
- يشهد التاريخ أنّ عامة الحكّام المسلمين بعد على(ع) كانوا يفتقدون إلى كثير من الشروط المذكورة، في حين عدّهم السنة خلفاء للرسول(ص) وأئمة المجتمع الإسلامي، فإذا اكتفينا بالشروط التي ذكروها سنجد أنّ كثيراً ممن عدّوهم خلفاء هم ليسوا كذلك.[٦]
خصوصيات الإمام عند الشيعة
اتضح حتى الآن أنّ الشيعة تعتقد برفعة مقام الإمامة وأنه منصب إلهي وأنّ الإمام حافظ للشريعة وهو الذي يؤمِّن كل الاحتياجات الدينية للأمة، فمن الطبيعي أن يكون لشخص الإمام خصوصيات تمكّنه من أداء مسؤولية الإمامة الخطيرة على أحسن وجه:
أهم شروط الإمام عند الشيعة عبارة عن: العصمة، العلم اللدني، الأفضلية المعنوية على الآخرين، التنصيص.
عصمة الإمام
اتفق أهل السنة على عدم ضرورة عصمة الإمام[٧]. وفي المقابل اتفق كل علماء الشيعة على أنّ العصمة من شروط إحراز منصب الإمامة، والإمام هو شخص منزّه عن كل خطأ وذنب.
ذكر متكلّموا الشيعة عدّة أدلّة عقليّة ونقليّة على لزوم عصمة الإمام، إلا أنّ التأمّل في الاستدلال على لزوم تنصيب الله للإمام بناء على أساس احتياج الأمة إلى مرجعية دينية بعد النبي(ص) يكفي لإثبات ضرورة عصمة الإمام، فلا يُمكن الإتيان بالوظائف المطلوبة من الإمام على الوجه المطلوب إلا إذا كان الإمام معصوماً عن الخطأ والذنب، فما لم يكن تفسير الإمام للقرآن مصوناً عن الخطأ فإنّ كلامه ليس بحجة على الناس، بالتالي لن يكون مؤثّراً في إنهاء النزاع القائم بين المفسرين، كذلك الحال في بيان الأحكام الدينية حيث إن لم يكن معصوماً فلن تتم الحجة على الناس ولن يثقوا به بعنوانه مرشداً لهم في العمل بالوظائف الدينية. فالإمام غير المعصوم قد لا يثبت أمام الانحرافات والتحريفات، وقد يترك وظائفه لمنافع شخصية، بالإضافة إلى أنّ غير المعصوم لا يُمكنه أن يدعو الناس إلى التقوى والعمل الصالح وقد يفقد اعتباره وقيمته عند بعض أفراد المجتمع على الأقل. باختصار إذا قبلنا بأنّ وظيفة حفظ الشريعة والدفاع عن كيان الإسلام واستمرار هداية الناس هي من وظائف الإمام بعد النبي(ص) فإنّ أداء هذه الوظيفة على أحسن وجه غير ممكن بدون العصمة، يقول العلامة الحلي: "ذهبت الإمامية إلى أنّ الأئمة كالأنبياء، في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت، عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوّامون به، حالهم في ذلك كحال النبي"[٨].
بالإضافة إلى ما ذكر، أقام متكلموا الشيعة أدلّة أخرى على ضرورة عصمة الإمام، منها أنه: لو لم يكن الإمام معصوماً للزم التسلسل، والتسلسل ممتنع. وبيان ذلك أنّ سبب حاجة الأمة للإمام ناشئ من عدم عصمتها فلو كانت الأمة معصومة لانتفت الحاجة إلى الإمام، فإذا افترضنا أنّ الإمام قد يخطئ يلزم من ذلك أن نحتاج إلى إمام آخر وما لم تُختتم سلسلة الاحتياجات بإمام معصوم، يلزم من ذلك التسلسل، والتسلسل باطل، إذن: يجب أن يوجد إمام معصوم ليسدّ حاجة الناس[٩].[١٠]
عصمة الإمام في القرآن
بالإضافة إلى الأدلّة العقليّة، ذكر المتكلّمون مجموعة من الآيات تثبت ضرورة عصمة الإمام، سنكتفي بذكر آيتين منها:
الإمامة؛ عهد إلهي
نقرأ في سورة البقرة ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[١١]. للاستدلال بالآية[١٢] لابدّ من توضيح المقصود من (الإمامة)، (إِمَامًا)، و(الظَّالِمِينَ)، فقد يُقال: إنّ المقصود من الإمامة في الآية هو النبوّة، أي: أنّ الآية تتكلّم عن إعطاء مقام النبوّة لإبراهيم(ع)، إلا أنّ هذا القول لا يتلاءم مع ظاهرها والقرائن الموجودة فيها، فالظاهر من العبارة: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ أنّ هذا الكلام لم يكن هو الوحي الأول للنبي إبراهيم(ع) بمعنى أنه كان قد وصل إلى مقام النبوّة قبل هذا الخطاب، كما أنّ طلب الإمامة لأبنائه شاهد آخر على هذا الادعاء، فمن المستبعد جداً أن يطلب ذلك في الوحي الأوّل له[١٣]. ثانياً الطلب المذكور يحكي على أنّ إبراهيم(ع) في ذلك الزمن كان قد وُلد له أبناء (إسحاق وإسماعيل)، ومن جهة أخرى يُصرّح القرآن[١٤] أنّ إبراهيم(ع) لم يصبح أباً إلا في سن الشيخوخة، أي: بعد مرور سنوات متمادية من نبوّته، فالشواهد المذكورة تؤكّد على أنّ المقصود من الإمامة في الآية ليس النبوّة، بل إنّ المقصود هنا هو حفظ التشريع الإلهي وإجراء القوانين وأحكام الشريعة في المجتمع، أي: القيادة الإلهية للأمة باتجاه أهداف الشريعة ومقاصدها وهذا هو نفس المعنى الذي يقوله المسلمون في مورد خليفة النبي(ص): أما في ما يتعلّق بمعنى الظلم في الآية: للظلم معانٍ كثيرة في اللغة العربية، الظلم يُقابل العدل بمعنی عدم وضع الشيء في موضعه، بالتالي فإنّ كل معصية ظلم، وبما أنّ كلمة الظالمين في الآية جاءت بصيغة الجمع المحلي ب (ال) يُستفاد منه معنى التعميم، فالمقصود هو أنّ كل نوع من أنواع الظلم والذنب هو مانع عن الوصول إلى مقام الإمامة، المقام الذي عبّرت عنه الآية ب (عهدي)، فالشخص إذا ارتكب ذنباً في مرحلة التكليف ولو مرة واحدة فإنه غير صالح لإحراز مقام الإمامة، وهذا يعني لزوم عصمة الإمام[١٥]. إذا يُستفاد من الآية المذكورة أنّ العصمة هي أحد شروط الإمامة، كما أيدت بعض الروايات هذا المعنى؛ عن النبي(ص) أنّ الله قال في إبراهيم(ع) «مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ مِنْ دُونِي لَا أَجْعَلُهُ إِمَاماً أَبَداً، وَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً»[١٦].[١٧]
آية إطاعة أولى الأمر
الآية الأخرى التي يُمكن الاستناد إليها لإثبات ضرورة عصمة الإمام هي الآية ۵۹ من سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[١٨] الله يدعو المؤمنين إلى إطاعة النبي(ص) وأولي الأمر وهذه الإطاعة مطلقة غير مقيّدة بأيّ قيد، أي: أنّ القرآن يُريد من أهل الإيمان أن يتبعوا أولي الأمر اتباعاً مطلقاً دون استثناء[١٩]، من جهة أخرى لا يُمكن أن يأمر الله الناس باتباع الذنب والانحراف والخطأ، فالآية تدلّ على عصمة أولي الأمر، فلو لم يتصفوا بالعصمة لما صح الأمر بإطاعتهم على نحو الإطلاق. كما أنّ ذِكر أولي الأمر بعد النبي(ص) مباشرة مع عدم تكرار لفظ ﴿أَطِيعُوا﴾ هو شاهد على هذا المدّعي، وذلك لأنّ النبي معصوم لا يأمر بالمعصية أبداً فلو كان احتمال صدور الخطأ من أولي الأمر موجوداً للزم تكرار الأمر بالإطاعة للتمييز بين الموردين، من هنا فالآية المذكورة تدلّ بوضوح على عصمة (أولي الأمر) كما بينت روايات عديدة أنّ المقصود منهم هم خلفاء النبي علي وأبنائه[٢٠].[٢١]
العلم اللّدني
الخصوصية الثانية للإمام عند الشيعة هي علمه الواسع والخاص به، هذه العلوم التي لا تتأتي بالاكتساب كالعلوم البشرية، لذلك سُميت بالعلم اللّدني، وقد اتضح ضرورة هذه العلوم للإمام من خلال ما ذُكر من حاجة الأمة له. فالاطلاع الكامل على أسرار القرآن ورموزه وكل الشريعة والأحكام والقوانين الدينية - حتى أحكام الموضوعات المستحدثة – والاستعداد التام للإجابة عن الشبهات، كل ذلك يستلزم أن يتميّز الإمام بعلوم خاصّة به، فإذا كان علم الإمام مقتصراً على المنابع العادية لما وجد أيّ ضمان لقدرته على الجواب عن كل أسئلة الناس الدينية الواسعة المتنوعة مما يؤدّي إلى نقض غرض الله من تشريع الدين.[٢٢]
منابع علم الإمام
يستقي الإمام(ع) علومه من منابع متنوعة هي عبارة عن:
- القرآن: إنّ الآيات القرآنية في متناول الجميع إلا أنّ للإمام علم خاص به – بفضل الله وإنعامه - حيث إنه مُطّلع على المُحكم والمُتشابه، العام والخاص، المطلق والمقيّد، الناسخ والمنسوخ، أسباب النزول وغيرها من حيثيات هذا الكتاب السماوي، ومن خلال علم الإمام بالكتاب يطلع الناس على تفسير الآيات وفكّ رموز القرآن وأسراره.
- وراثة النبي(ص): المنبع الثاني لعلوم الإمام، هي علوم النبي(ص) - التي لا نعرف حقيقتها- التي تنتقل للإمام، فقد جاء في حديث أنّ النبي(ص) علم عليا ألف باب من العلم يُفتح من كل باب ألف باب[٢٣]، وفي حديث مشهور عند الفريقين أنّ النبي(ص) قال: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا»[٢٤].
- الارتباط بالملائكة وروح القدس: ذلك ما يُسمى بالإلهامات الإلهية التي تتم بواسطة ملائكة الله أو روح القدس وهذه الإلهامات تختلف عن وحي الأنبياء، أشارت بعض الروايات إلى ذلك بعبارة أنّ الإمام محدَّث، وقد شرح الإمام الصادق(ع) المقصود من ذلك في الرواية: «إِنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ»[٢٥] فالإمام يطّلع على بعض الحقائق من خلال الإلهام وسماع صوت الملائكة، وليس من الغريب أن يتكلّم الله أو ملائكته مع غير أنبيائه، هذا ما تؤكّد عليه كثير من آيات القرآن[٢٦].[٢٧]
الأفضلية
أفضلية الإمام على أمته من حيث المعنويات والفضائل الأخلاقية[٢٨] والإيمان والعمل الصالح، الإمام أعلم، أتقى، أزهد، أشجع وأسخي أهل زمانه، ويُمكن تلخيص الدليل العقلي المذكور في كتب الشيعة[٢٩] بالقول أنه لو لم يكن الإمام هو الأفضل على آحاد أمته في الأمور المعنوية، لكان إما مساوٍ لبعضهم فيها أو أقل منهم، ولا يوجد احتمال ثالث كما أنّ بطلان الحالتين الأخيرتين واضح فالحالة الأولى تستلزم الترجيح بلا مرجّح، أما الثانية فإنّ العقل السليم يحكم بقبح تقديم المفضول على الأفضل، وبهذا تثبت الحالة الأولى، أي: أنّ الإمام أفضل من أمته، ومن الآيات المؤيّدة للمدعى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾[٣٠].[٣١]
التنصيص
الشرط الرابع من شروط الإمام هو وجود نص[٣٢] على إمامته، إنّ هذا الشرط يُشير إلى الطرق المشروعة في تعيين الإمام. يعتقد الشيعة أنّ الطريق الوحيد لتعيين الإمام هو أن يعلن النبي(ص) (أو شخص قد ثبتت إمامته) إمامته ببيان واضح وخالي من الإبهام، ويُصرّح بخلافته[٣٣]، في حين يرى أهل السنة أنّ نص النبي(ص) ليس هو الطريق الوحيد المعتبر لتعيين الإمام.[٣٤]
طرق تعيين الإمام عند أهل السنة
لم يتفق علماء أهل السنة على بيان طرق تعيين الإمام إلا أنّ الطرق المشهورة عندهم بالإضافة إلى نص النبي(ص) ونص الإمام السابق هي بيعة أهل الحلّ والعقد، والغلبة والقهر[٣٥]؛ المقصود من بيعة أهل الحلّ والعقد هو أن يقبل بعض الشخصيات الاجتماعية المتميزة بإمامة شخص ما ويلتزمون عملياً بطاعته من خلال البيعة، كما لا يوجد حدّ نصاب خاص لعدد أهل البيعة، فلو بايع واحد فقط من أهل الحلّ والعقد ذلك الشخص، فذلك يكفي لثبوت إمامته[٣٦]. كما يعتقد بعض علماء أهل السنة أنه لو غصب أحدهم مسند الإمام ظلماً وجوراً تثبت إمامته وإن كان فاسقاً ظالماً جاهلاً[٣٧] .[٣٨]
النص هو الطريق الوحيد لإثبات الإمامة عند الشيعة
أما الشيعة فإنهم يرون أنّ النص هو الطريق الوحيد لثبوت الإمامة وهذا الرأي من اللوازم الطبيعية لتصوّر الشيعة عن الإمامة، فالإمامة ليست مقاماً دنيوياً، كمقام السلاطين ورؤساء الحكومات، بل هي منصب إلهي يتعهد مسؤولية خطيرة هي قيادة الأمة الإسلامية وحفظ الشريعة، لذلك لابدّ من أن يتحمّلها شخص صالح لهذا المنصب له عدّة خصوصيات، مثل: العصمة والعلم اللدني والأفضلية، ومن البديهي أنّ التشخيص القطعي لهذا الفرد الصالح لا يتيسّر إلا عن طريق الله ونبيّه. فكيف يُمكن القول بأنّ منصب خلافة النبي(ص) مع عظمته وأهميته يُمكن أن يتعيّن ببيعة رجل واحد من أهل الحلّ والعقد؟! وكيف يرضى العقل السليم أن يتولى هذا المنصب إنسان فاسق فاجر ليكون قائداً دينياً ودنيوياً للأمة الإسلامية؟
ذكرت في منابع الشيعة الكلامية عدّة أدلّة على انحصار طريق ثبوت الإمامة في النص، وخلاصة أحد الأدلّة يبتني على مسألة عصمة الإمام: العصمة شرط لازم لإحراز مقام الإمامة، ولا يُمكن للناس تشخيصها لأنّ المعصوم هو من يتميّز بملكة اجتناب الذنب وترك الخطأ، وهذه الملكة باطنية خفيّة، لا يطّلع عليها إلا الله وحده، فالله هو العالم بالمعصوم ولا يُمكن للناس معرفته إلا من خلال إخبار الله ونبيّه به، إذن: الطريق الوحيد لثبوت إمامة الإمام هو وجود النص [٣٩].
يتبيّن بذلك أنّ للشيعة وأهل السنة تصويران مختلفان تماماً في مسألة الإمامة وأثره في المجتمع الإسلامي، لذلك اختلفت الشروط اللازم توفرها في الإمام عندهم، وهذا الاختلاف المبنائي أدّى إلى اختلافهم في تعيين خليفة النبي(ص).[٤٠]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٨٣.
- ↑ راجع: السبحاني، الإلهيات، ج۴، ص۱۶ – ۱۹.
- ↑ أبوبكر الباقلاني، تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل، ص۴۷۱.
- ↑ الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۶.
- ↑ التفتازاني، شرح المقاصد، ج۵، ص۲۴۳ - ۲۴۵.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٨٣-٤٨٤.
- ↑ يقول التفتازاني في شرح المقاصد: "واحتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان مع الإجماع على أنّهم لم تجب عصمتهم... وحاصل هذا دعوى الإجماع على عدم اشتراط العصمة في الإمام": راجع التفتازاني، ج۵، ص٢۴٩، يذكر التفتازاني سر اتفاق أهل السنة على عدم ضرورة عصمة الإمام، لأنهم اتفقوا على إمامة الخلفاء الثلاثة الأوائل من جهة، ولأنهم لا يعتقدون بعصمتهم من جهة أخرى، من هنا لا يبقى لهم إلا إنكار ضرورة عصمة الإمام.
- ↑ العلامة الحلي، نهج الحق وكشف الصدق، ص۱۶۴.
- ↑ للتعرف على أدلة المتكلمين الأخرى، راجع: العلامة الحلي، كشف المراد، ص۳۹۰ و۳۹۱؛ فاضل مقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۳۲ - ۳۳۶.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٨٤-٤٨٦.
- ↑ سورة البقرة: ۱۲۴.
- ↑ تجد بياناً مفصلاً للاستدلال في كتاب: السبحاني، الإلهيات، ج۴، ص۱۱۷–١٢۵.
- ↑ مثلاً: يُمكن المقارنة بين الآيات من ۳۰ إلى ۳۵ من سورة القصص مع الآيات الأخرى من سورة العلق، حيث إنّ هذه الآيات تتضمن الوحي الابتدائي إلى تبيين من أنبياء الله العظام، أي: النبي موسی(ع) والنبي الأكرم(ص).
- ↑ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ سورة ابراهيم: ۳۹؛ وضّح العلامة الطباطبائي أنه لا يقصد بالإمامة المذكورة في الآية النبوّة، راجع: الميزان، ج۱، ص۲۷۰ و۲۷۱.
- ↑ ينقل العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان - في تقريب دلالة الآية على لزوم عصمة الإمام - المسألة التالية عن أحد أساتذته: الناس حسب التقسيم العقلي على أربعة أصناف: ۱/ منهم الظالم طوال عمره، ۲/ منهم من لم يرتكب ظلماً أبداً طوال عمره، ۳/ منهم من كان أول عمره ظالماً، ثم أصبح غير ظالم في أواخر عمره، ۴/ منهم من لم يكن ظالماً أوّل عمره إلا أنه أصبح من الظالمين في أواخر عمره، وشأن إبراهيم أرفع من أن يطلب الإمامة إلى الصنف الأوّل والرابع، بل إن طلبه مرتبط بالصنف الثاني والثالث فقط، إلا أنّ الله نفى الإمامة عن أحد هذين الصنفين أيضاً وهو الصنف الثالث، ويبقى فقط الصنف الثاني هم من يستحقون مقام الإمامة، وبالتوجه إلى المعنى الواسع للظلم، يتبيّن عصمة هؤلاء الأشخاص: العلامة الطباطبائي، الميزان، ج۱، ص۲۷۴.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۲۵، ص۲۰۱.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٨٧-٤٨٨.
- ↑ سورة النساء: ۵۹.
- ↑ لقد خصّص القرآن لزوم إطاعة الوالدين بالموارد التي لا يدعونه فيها للشرك ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ سورة لقمان: ۱۵.
- ↑ يُمكن مراجعة الروايات الواردة في ذيل تفسير هذه الآية في كتاب: تفسير شواهد التنزيل، وتفسير البرهان.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٨٨-٤٨٩.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٨٩-٤٩٠.
- ↑ «عَلَّمَنِي أَلْفَ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ، يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ». »: تاريخ دمشق، ج۲، ص۴۸۴، ح۱۰۱۲.
- ↑ علاء الدين الهندي، كنزل العمال، ح۳۲۸۹۰؛ الكليني، الكافي، ج۱، باب أنّ الأئمة ورثوا علم النبي ...، ص۲۲۳ - ۲۲۶.
- ↑ الكليني، الكافي، ج۱، ص۲۷۱، ح۴.
- ↑ كإلهام الله إلى أم موسی(ع) القصص: ۷؛ وإلى حواريي عيسى(ع) المائدة: ۱۱۱.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٩٠-٤٩١.
- ↑ هذا الشرط يتضمّن الشرطين السابقين، لأنه لا شكّ من أنّ المعصوم أعلم من غير المعصوم العالم أو الجاهل، إلا أنّ أهمية الشرطين السابقين جعلتنا نذكرهما بنحوٍ مستقل.
- ↑ بالإضافة إلى الشيعة الإمامية، عدّ جماعة من المرجئة والمعتزلة وطائفة من الزيدية أنّ هذا الشرط لازم، لكن خالف هذا المعتقد بقية فِرق أهل السنة، لذلك فإنهم بالرغم من اعترافهم بأفضلية علي(ع) من الخلفاء الثلاثة إلا أنهم يعتقدون بخلافتهم، راجع: فاضل مقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۳۶.
- ↑ سورة يونس: ۳۵.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٩١-٤٩٢.
- ↑ النص في اللغة بمعنى الإظهار والتوضيح، والاصطلاح هي الكلمة أو العبارة التي تستعمل في معنى واحد فقط ويفهم منها معنى واحد، ولا يُحتمل أيّ معنى آخر لها.
- ↑ بما أن يكشف عن الإمام وليس هو من يصطفيه، بل إنّ الله هو من يصطفي الإمام ويأمر النبي بالإفصاح. عنه، لذلك يُمكن عدّ نص النبي هو نص الله سبحانه. يعتقد بعض متكلّمي الشيعة أنه بالإضافة إلى نص النبي، يوجد طريق آخر لتعيين الإمام الموجود وهو إظهاره للكرامات، راجع: فاضل المقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۳۸؛ العلامة الحلي، نهج الحق، ص۱۶۸.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٩٢.
- ↑ راجع - كنموذج -: الجرجاني، شرح المواقف، ج۸، ص۳۵۱- ۳۵۴.
- ↑ يقول التفتازاني في بيان الطريق الثالث لانعقاد الإمامة: "تنعقد الإمامة بطرق أولها بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد، ولا اتفاق من في سائر البلاد، بل لو تعلّق الحلّ والعقد بواحد مطاع كفت بیعته": شرح المقاصد، ج۵، ص۲۳۳.
- ↑ يقول التفتازاني في بيان الطريق الثالث لانعقاد الإمامة: "القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقهر الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له، وكذا إذا كان فاسقاً أو جاهلاً": شرح المقاصد، ج۵، ص۲۳۳.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٩٢-٤٩٣.
- ↑ ذكر المحقق اللاهيجي خمسة أدلة على انحصار ثبوت الإمامة في النص؛ راجع: المحقّق اللاهيجي، گوهر مراد (تلخيص صمد موحد)، ص۳۰۰ – ۳۰۳.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي، ص ٤٩٣-٤٩٤.