الاستئناس في نهج البلاغة
التعريف
الاستِئْناس: ضدّ الاستيحاش، يقال: اسْتَأْنَسَ به وإليه: ألِفه، واطمأنّ إليه قلبه، وذهب تَوَحُّشُه، ويقال: إذا جاء الليل استأنس كلّ وحشي، واستوحش كلّ إنْسِيّ، ويقال: اسْتَأْنَسَ له: نظر إليه وتسمّع، والاستئناس: الاستعلام والاستكشاف، يقال: اسْتَأْنَسَهُ: رآه وأبصره ظاهراً مكشوفاً. قال تعالى: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾[١]. أي فتعلموا أيريد أهلها أن تدخلوا، أم لا، لذا قال الزجّاج: «معنى «تستأنسوا» في اللغة: تستأذنوا».
وقال الزمخشري: «فيه وجهان:
أحدهما: أ نّه من الاستئناس الذي هو ضدّ الاستيحاش؛ أي حتّى يؤذن لكم فتستأنسوا، عبّر بالشيء عمّا رادفه.
الثاني: أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف، والمعنى: حتّى تستعلموا وتستكشفوا الحال؛ أَيراد دخولكم، أم لا؟».
ويجوز أن يكون من الإنْس؛ وهو أن يَتَعرَّف هل ثَمَّة إنسان؟ ومنه حديث ابن مسعود: «كان إذا دخل داره استأنس وتكلّم» أي استعلم وتبصّر قبل الدخول[٢].
قال(ع) في تنزيه الله سبحانه وتقديسه: «مُتَوَحِّدٌ إذْ لَاسَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ، وَلَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ»[٣].
أي متوحّد في ملكه وملكوته وسلطانه، لا يمكن أن يكون له سكن، ولا أنيس، بل توحّد بالتحميد، وتمجّد بالتمجيد وعلا عن اتخاذ الأبناء، وتطهّروتقدّس وتنزّه عمّا لا يجوز عليه.
وقال(ع) في فلسفة خلق الدنيا: «وَلَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ، وَلَا لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَنُقْصَانٍ، وَلَا لِلْاسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَى نِدٍّ مُكَاثِرٍ، وَلَا لِلْاحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ، وَلَا لِلْازْدِيَادِ بِهَا في مُلْكِهِ، وَلاَ لِمُكَاثَرَةِ شَرِيكٍ في شِرْكِهِ، وَلَا لِوَحْشَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ إِلَيْهَا»[٤]. أي لم يخلقها لأنّه كان مستوحشاً بوحدته، فأراد أن يستأنس فخلقها.
وبين «سُلْطانٍ» و«نُقْصانٍ» وبين «مُكاثِرٍ» و«مُثاوِرٍ» وبين «مُلْكِهِ» و«شِرْكِهِ» أسجاع متوازية لنفي صفات المخلوق عنه تعالى، ولبيان أنّ تكوينه - جلّ وعلا - وإيجاده للأشياء، ليس لجلب منفعة لنفسه، أو دفع مضرّة عنها، وليس لفعله داعٍ وغرض غير ذاته، والله غنيّ بذاته عن كلّ شيء.
وقال(ع) في وصف أصحاب القبور: «لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ»[٥]. أي غير مسرورين بأوطانهم.
وقال(ع) في إعادة الله سبحانه للدنيا بعد فنائها: «ثُمَّ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا، وَلَا اسْتِعَانَةٍ بِشيْء مِنْهَا عَلَيْهَا، وَلَا لِانْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ»[٦]. بأن يكون عدم الأشياء موجباً لوحشته تعالى، ولذا يعيدها حتّى يستأنس بها.[٧]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة النور، الآية ٢٧.
- ↑ الجامع، ج١، ص١٨٠.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٨٦؛ الندّ: المثيل؛ المكاثرة: المغالبة بكثرة المال والرجال؛ المثاور: المواثب والمهاجم؛ الوحشة: ضد الاُنس.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ٢٢٦.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٨٦.
- ↑ السيد جعفر السيد باقر الحسيني، شرح مفردات نهج البلاغة ، ج۱، ص ٣٣٨-٣٣٩.