الصفات السلبية في القرآن
تمهيد
استعمل في القرآن الكريم مفهوم (تسبيح الله) بكثرة، بمعنى تنزيهه عن كل نقص وعيب. بعض الآيات أطلقت صفة (القدوس) على الله التي تحكي عن نهاية طهارة الذات الإلهية من القبائح والنقائص، مثلاً جاء في سورة الحشر: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾[١] صفة القدوس لا تسلب فقط النقص عن الذات الإلهية، بل لها معنى واسع يشمل كل عيب في الأفعال الإلهية وفي نظام التكوين والتشريع، ومن هنا فإن دائرتها أوسع من الصفات الإلهية السلبية المطروحة في أبحاث علم الكلام. كما يؤكد القرآن على جملة من الصفات السلبية منها:
أولاً: أنه لا مكان له سبحانه
بالتأمل في بعض الآيات القرآنية يتضح دلالتها على أن الله لا مكان له. مثلاً: بعد تغيير قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى الكعبة والإشكالات التي طرحها اليهود، نزلت الآية التالية على النبي(ص): ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[٢] يُستفاد من هذه الآية أن الله أجلّ من أن يكون في مكان خاص، والظاهر أن المقصود من المشرق والمغرب في الآية ليس الجهتين الجغرافيتين، بل هو كناية عن كل الجهات، ويفهم من التعبير ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾[٣] أن الله حاضر في كل مكان.
في المجموع تُبيّن الآية أن مسالة القبلة فقط لتوجه المؤمنين أثناء الصلاة وليس لأن الله في محل وجهة خاصة، لأنه حاضر في كل مكان وعليم بكل شيء.
لأن الله ليس بمركب ولا جزء له، فإن حضوره في كل مكان لا يُمكن أن يكون بمعنى إشغاله لكل مكان، بل بمعنى علوّه عن المكان أو عدم مكانيته. من جهة أخرى، بالتوجه إلى أنه لا يُمكن وقوع جسمين في محل واحد، فإنّ حضور الله في كل العالم المادي والجسماني المليء بالأجسام المختلفة يدلّ على عدم جسمانيته. الآيات التي تتحدث عن معيّة الله لمخلوقاته تحكي كذلك أن الله لا مكان له: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[٤] من البديهي أن معية الله مع الجميع لا يتناسب ومحدوديته في مكان خاص؛ لأنه إذا حدّ موجود في مكان خاص، فلا يُمكنه أن يكون مع كل الموجودات، خاصة أن المقصود من هذه المعيّة معية الله القيومية والإحاطية التي تنبع من وجوب وجوده وعدم تناهيه.
ثانياً: الله غير قابل للرؤية
ربما أن الآية التي تدل على عدم إمكان رؤية الله بصراحة هي ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[٥].
فمفهوم هذه الآية أن الله إحاطة علمية بكل الأبصار وهي لا تنال رؤيته، وهذا يعني نفي الرؤية الحسية وقد يكون في جمع الأبصار إشارة إلى أنه مع تعدد وتنوع الأبصار فلا يُمكن لأيّ عين أن ترى الله، وآية أخرى جاءت في سورة الأعراف ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾[٦] بالالتفات إلى آيات القرآن الأخرى يتضح أن موسى(ع) كان يطلب ما طلبه جماعة من جهلاء بني إسرائيل وأكّد الله في جوابه أنك ﴿لَنْ تَرَانِي﴾[٧][٨] هذه الآيات صريحة في نفي الرؤية وهي من المُحكمات، فينبغي تفسير المتشابهات على أساسها، مثلاً: يستدلّ الأشاعرة لإثبات ادعاءهم بالآيات التالية: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[٩]. و يُقال في الجواب عن استدلالهم: أن المصدر (نظر) عندما يتعدى بالحرف (إلى) له معنيان: الرؤية والانتظار أو التوقع، بقرينة الآية ۲۵ من نفس السورة ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ [١٠] يتضح أن المقصود أن هؤلاء الجماعة كانوا ينتظرون رحمة ولطف الله، وهناك جماعة أخرى جاء بيان حالهم في الآية ۲۵ ينتظرون العذاب الإلهي. بالالتفات إلى هذه الملاحظة اللغوية، بالإضافة إلى الأدلة العقلية القطعية على امتناع الرؤية والآيات المُحكمات يتضح أن هذه الآيات لا تدلّ على مُدعى الأشاعرة.[١١]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة الحشر: ۲۳.
- ↑ سورة البقرة: ۱۱۵.
- ↑ سورة البقرة: ۱۱۵.
- ↑ سورة الحديد: ۴.
- ↑ سورة الانعام: ۱۰۳.
- ↑ سورة الأعراف: ۱۴۳.
- ↑ سورة الاعراف: ۱۴۳.
- ↑ المترجم: وهذه الآية لا تدلّ على نفي الرؤية فحسب، بل تدل على استحالتها بالنسبة إليه سبحانه لانه قد ربطها باستقرار الجبل في مكانه، واستقراره في حال كونه متزلزلاً من المُحالات، وإلا لزم أن يكون ساكناً ومتحركاً في حالة واحدة، فهو أشبه بقوله تعالى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾، وإذا امتنعت رؤيته على أنبيائه، كانت بالنسبة إلى غيرهم أولى بالامتناع (نقلاً عن كتاب: الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة - هاشم معروف الحسيني ۱۶۹).
- ↑ سورة القيامة: ۲۲-۲۳.
- ↑ سورة القيامة: ۲۴-۲۵.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٩٢-٢٩٥.