الصفات السلبية في الحديث

من إمامةبيديا

تمهيد

طُرحت الصفات السلبية لله بشكل أوسع وأكثر وضوحاً في الروايات ولا يُمكننا إلا الإشارة إلى جزء منها، جاء في حديث عن الإمام الصادق(ع) قوله: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِزَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حَرَكَةٍ وَ لَا انْتِقَالٍ وَ لَا سُكُونٍ بَلْ هُوَ خَالِقُ الزَّمَانِ وَ الْمَكَانِ وَ الْحَرَكَةِ وَ السُّكُونِ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً»، يؤكّد الإمام الصادق(ع) في الحديث الشريف على نفي الزمانية والمكانية والحركة والتغيير عن الذات الإلهية المقدسة، واللطيف أنه مع نفي الحركة يُسلب السكون عن الله أيضاً، بمعنى أنّ سلب الحركة عن الله لا يعني إثبات صفة السكون له؛ بل إن تقابل هاتين الصفتين هو تقابل الملكة والعدم، وإذا كان هناك موجوداً لا يقبل الاتصاف بأحد هذين الوصفين، فهو لا يتصف بالآخر كذلك. يذكر أميرالمؤمنين(ع) في حديث آخر عدداً من صفات الله السلبية عندما سأله ابن الحنفية عن الصمد؟ «قَالَ عَلِيٌّ(ع) تَأْوِيلُ الصَّمَدِ لَا اسْمٌ وَ لَا جِسْمٌ وَ لَا مِثْلٌ وَ لَا شِبْهٌ وَ لَا صُورَةٌ وَ لَا تِمْثَالٌ وَ لَا حَدٌّ وَ لَا حُدُودٌ وَ لَا مَوْضِعٌ وَ لَا مَكَانٌ وَ لَا كَيْفٌ وَ لَا أَيْنٌ وَ لَا هُنَا وَ لَا ثَمَّةَ وَ لَا مَلَأٌ وَ لَا خَلَأٌ وَ لَا قِيَامٌ وَ لَا قُعُودٌ وَ لَا سُكُونٌ وَ لَا حَرَكَةٌ وَ لَا ظُلْمَانِيٌّ وَ لَا نُورَانِيٌّ وَ لَا رُوحَانِيٌّ وَ لَا نَفْسَانِيٌّ وَ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَوْضِعٌ وَ لَا يَسَعُهُ مَوْضِعٌ وَ لَا عَلَى لَوْنٍ وَ لَا عَلَى خَطَرِ قَلْبٍ وَ لَا عَلَى شَمِّ رَائِحَةٍ مَنْفِيٌّ عَنْهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ»[١].

كما وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت (ع) في بعض الصفات السلبية خاصة، مثل سلب الجسمية أو نفي الرؤية. مثلاً: جاء في الحديث أن أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) نقل قول هشام بن الحكم المبتني على جسمانية الله، فقال الإمام(ع): «وَيْلَهُ، أَمَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ، وَالصُّورَةَ مَحْدُودَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ؟ فَإِذَا احْتَمَلَ الْحَدَّ، احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، وَإِذَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، كَانَ مَخْلُوقاً، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ: «لَا جِسْمٌ وَ لَا صُورَةٌ، وَ هُوَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ، وَ مُصَوِّرُ الصُّوَرِ، لَمْ يَتَجَزَّأْ، وَ لَمْ يَتَنَاهَ، وَ لَمْ يَتَزَايَدْ، وَ لَمْ يَتَنَاقَصْ، لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخَالِقِ وَ الْمَخْلُوقِ فَرْقٌ، وَ لَا بَيْنَ الْمُنْشِئِ وَ الْمُنْشَإِ، لكِنْ هُوَ الْمُنْشِئُ، فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَ صَوَّرَهُ وَ أَنْشَأَهُ؛ إِذْ كَانَ لَايُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَ لَا يُشْبِهُ هُوَ شَيْئاً»[٢]. بالتأمل في الحديث الشريف يُمكن الحصول على مطالب عميقة من جملتها استدلالين ذكرهما الإمام(ع) على نفي الجسمية.

الدليل الأول: أن الجسمية تستلزم المحدودية ولازم المحدودية قبول الزيادة والنقصان ولازم ذلك المخلوقية؛ فلازم فرض جسمانية الله المُتعال مخلوقيته؛ والحال أن الله سبحانه خالق وليس مخلوق.

أما الدليل الثاني: يُستفاد من العبارة (و لما كان كما يقول، لم يكن...) حيث يُقال: إن الله خالق الجسم وإذا كان الله جسماً فيلزم اشتراك الخالق والمخلوق في الجسمية وهذا ما لا يتناسب مع فرض الخالقية والمخلوقية. كما أن هناك روايات أكثر عمقاً من جهة المحتوى والمعنى، في سلب المكان والزمان عن الله سبحانه، منها حديث عن الإمام الكاظم(ع): «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى كَانَ لَمْ يَزَلْ بِلَا زَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ هُوَ الْآنَ كَمَا كَانَ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَ لَا يَشْغَلُ بِهِ مَكَانٌ وَ لَا يَحُلُّ فِي مَكَانٍ»[٣]، المقصود من «لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ» ليس هو استقرار الله في كل مكان، بل فيه إشارة إلى المعيّة الإحاطية والقيومية التي على أساسها نعتقد بأن كل الوجود في محضر الله عزوجل.

كما ذُكرت الكثير من الروايات في نفي الرؤية الحسية عن الله والتي نُشير إلى بعض منها: جاء في جواب أميرالمؤمنين(ع) على الصحابي دعبل اليماني عندما سأله: «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ(ع) أَ فَأَعْبُدُ مَا لَا أَرَى فَقَالَ وَ كَيْفَ تَرَاهُ قَالَ لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ»[٤].

روي عن الإمام الحسن العسكري(ع) في جوابه على هكذا سؤال فأجاب: «جَلَّ سَيِّدِي وَ مَوْلَايَ وَ الْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَ عَلَى آبَائِي أَنْ يُرَى»[٥].[٦]

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي

الهوامش

  1. البحار، ج۳، ص۲۳۰.
  2. قال المحدث العلامة المجلسي بعد روايته ذلك: استدلّ(ع) على نفي جسميّته تعالى بأنّه لو كان جسماً لكان محدوداً بحدودٍ متناهياً إليها لاستحالة لا تناهي الأبعاد، وكل مُحتمل للحدّ قابل للانقسام بأجزاء متشاركة في الاسم والحدّ، فله حقيقة كلية غير متشخّصة بذاتها ولا موجودة بذاتها، إذ هو مركب من أجزاء حال كلّ واحد منها ما ذكر، فيكون مخلوقاً، أو بأنّ كل قابل للحدّ والنهاية قابل للزّيادة والنقصان، لا يأبى عنهما في حدّ ذاته وإن استقرّ على حدّ معيّن فانما استقرّ عليه من جهة جاعل. ثم استدلّ(ع) بوجه آخر وهو ما يحكم به الوجدان من كون الموجد أعلى شأناً وأرفع قدراً من الموجد، وعدم المشابهة والمشاركة بينهما وإلا فكيف يحتاج أحدهما إلى العلة دون الآخر، وكيف صار هذا موجداً بدون العكس، ويحتمل أن يكون عدم المشاركة والمشابهة فيما يحتاج إلى العلة فيحتاج إلى علة أخرى.
  3. كتاب توحيد، باب ۲۸، حديث ۱۲، ص۱۷۸.
  4. البحار، ج۴، ص۵۲.
  5. الكافي.
  6. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٩٥-٢٩٧.