صحيفة الأعمال

من إمامةبيديا

تمهيد

إعطاء الإنسان صحيفة أعماله هي من المراحل الأولى من الحساب، أصل هذه المسألة هو من مسلمات العقيدة الإسلامية حيث ذكرت في كثير من الآيات والروايات وإن لم تكن حقيقتها واضحة عندنا، ويُمكن أن نفهم من مجموع الآيات والروايات المرتبطة بصحيفة الأعمال ما يلي:

أنّ الله يُسجّل كل أعمال الإنسان حتى آثار تلك الأعمال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ[١]، بعض الآيات تنسب تسجيل الأعمال إلى الملائكة: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ[٢]، ومن البديهي أنه لا يوجد تعارض بين التعبيرين لأنه كما مرّ عدة مرات أنّ فعل مخلوقات الله عندما ننظر له من زاوية أخرى، نجده فعل الله أيضاً. ويحتمل أنّ الله من حيث أنه رحيم وستّار فإنه يمنع الملائكة من الاطلاع على أعمال بعض الناس[٣]. ويُستفاد من آية أخرى أنّ لكل إنسان ملكين موكلين بتسجيل أعماله ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[٤]، فتتم كتابة أعمال الإنسان بشكل تفصيلي بحيث يتعجب المذنب عندما يشاهدها من شدّة دقتها وشموليتها: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا[٥].

كما أنّ شهادة صحيفة الأعمال واضحة بحيث لا يُمكن لأحد أن ينكر الأعمال التي قام بها، والقرآن يُبيّن أنّ السبب في عدم إمكانية إنكارها هو دقتها وأنها نسخة أخرى من الأعمال التي ارتكبها الإنسان: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[٦]، وتُبيّن آيات أخرى أنّ هناك اختلاف في تلقي صحيفة الأعمال بين المؤمن والكافر: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ[٧]، ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ[٨][٩]. يعتقد البعض أن في الآخرة ثلاثة أنواع من الكتب أو صحف الأعمال:

  1. صحيفة خاصّة بكل إنسان تعكس كل أعماله بالتفصيل: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[١٠].
  2. صحيفة ترتبط بالأمة وتعكس مجموعة أعمالها: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا[١١].
  3. كتاب جامع لأعمال كل البشر وكل الأمم من أوّل التاريخ إلى منتهاه: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ[١٢]، كما أشارت الروايات إلى مسألة صحيفة الأعمال وخصوصياتها، منها الحديث الوارد عن الإمام الصادق(ع): «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعَ إِلَى الْإِنْسَانِ كِتَابُهُ ثُمَّ قِيلَ لَهُ اقْرَأْ قُلْتُ فَيَعْرِفُ مَا فِيهِ؟ ... فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يُذَكِّرُهُ فَمَا مِنْ لَحْظَةٍ وَ لَا كَلِمَةٍ وَ لَا نَقْلِ قَدَمٍ وَ لَا شَيْءٍ فَعَلَهُ إِلَّا ذَكَرَهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ تِلْكَ السَّاعَةَ فَلِذَلِكَ قَالُوا ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا[١٣]»[١٤].[١٥]

حقيقة صحيفة الأعمال

لاشكّ أنّ صحيفة أعمال الإنسان الأخروية ليست من جنس الدفاتر والكتب الدنيوية، أي: أنها ليست خطوطاً على أوراق تمّ تسجيلها من قِبَل الناس بواسطة عملية الكتابة، إذن: ما هي حقيقة كتاب الأخروي؟ هناك آراء كثيرة في المسألة، سنُشير إلى ثلاثة آراء، هذه الآراء الثلاثة تُعدّ من أهم الآراء المذكورة:

  1. صحيفة الأعمال، كناية عن روح الإنسان التي تبقى فيها آثار كل أعماله، ويتم في يوم القيامة إبرازها وفتحها كالصحيفة[١٦].
  2. صحيفة الأعمال، تحوي حقيقة أعمال الإنسان التي لا يستطيع الإنسان أن يدركها في الدنيا بسبب حجاب الغفلة، لكن في الآخرة وبعد أن الآخرة وبعد أن تتم إزاحة الحُجُب فإنّ حقيقة أعماله تصبح واضحة عنده[١٧].
  3. صحيفة الأعمال، هي الآثار التكوينية لأعمال الإنسان التي تتجلّى في الآخرة.[١٨]

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي

الهوامش

  1. سورة يس: ۱۲.
  2. سورة الزخرف: ۸۰.
  3. أشار إلى ذلك أميرالمؤمنين في دعاء كميل: «وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرَائِهِمْ وَالشَّاهِدَ لِمَا خَفِيَ عَنْهُمْ وَبِرَحْمَتِكَ أَخْفَيْتَهُ وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ».
  4. سورة ق: ۱۷-۱۸.
  5. سورة الكهف: ۴۹.
  6. سورة الجاثية: ۲۹.
  7. سورة الحاقة: ۱۹.
  8. سورة الحاقة: ۲۵-۲۶.
  9. يرى المفسرون أنّ المقصود من اليمين والشمال في الآيات ليس هو معناها الحقيقي، بل يقصد باليمين الخير والحقيقة، ويقصد بالشمال الشر والانحراف، كما يرى العلامة الطباطبائي أنّ اليمين والشمال في الآيات كناية عن السعادة والشقاء: راجع: العلامة الطباطبائي، رسالة الإنسان بعد الدنيا.
  10. سورة الاسراء: ۱۳-۱۴.
  11. سورة الجاثية: ۲۸.
  12. سورة الكهف: ۴۹.
  13. سورة الكهف: ۴۹.
  14. السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن، ج۲، ص۴۷۱.
  15. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص٦١٧-٦١٩.
  16. فيض الكاشاني، تفسير الصافي، ذيل الآية ۱۳ من سورة الإسراء.
  17. راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، ج۱۳، ص۵۸؛ ورسالة الإنسان بعد الدنيا.
  18. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص٦١٩-٦٢٠.