آية التطهير
تمهيد
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾[١].
آية التطهير من الآيات التي تدلّ بوضوح على مقام الإمام علي (ع) وعصمته وأنّه من أهل البيت الذين شملتهم إرادة الله بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم. يقول العلماء أنّ المفسرّين أجمعوا على أنّ آية التطهير نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (ع). والكذب من الرجس، ولا خلاف في أنّ أمير المؤمنين علي ادّعى الإمامة لنفسه، فيكون صادقاً. وتدلّ الآية على عصمتهم بتأكيدات عديدة، مثل استخدام كلمة ﴿إِنَّمَا﴾، وإدخال «اللام» في الخبر، وتخصيص الخطاب بقوله: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾، والتكرار في قوله: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ والتأكيد بقوله: ﴿تَطْهِيراً﴾. وهذا يعني أنّ غيرهم ليس معصوماً. فتثبت الإمامة لعلي (ع)؛ لأنّه ادّعاها في أقواله، مثل قوله: «وَ اَللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى»[٢]. وقد ثبت نفي الرجس عنه، فيكون صادقاً، ويكون هو الإمام بلا شكّ. وهناك نقاط مهمّة:
- كلمة «إنّما» تفيد الحصر، أي أنّ الجملة تنحصر بهؤلاء فقط.
- إرادة الله التكوينية تعلّقت باختصاص هؤلاء بإذهاب الرجس عنهم، فلا تقترب منهم المعصية، وهم يقومون بدور الهداية.
- الرجس يعني كلّ شيء فيه الدنس والإثم، وأهل البيت ومنهم عليّ (ع) مشمولون بإذهابه عنهم بإرادة الله التكوينية التي لا تتخلّف.
- الأحاديث تدلّ على نزول الآية في أهل بيت الرسول (ص).
ومن المهمّ التركيز على معنى كلمة «إنّما»، ونوع الإرادة الإلهية، ومعنى الرجس وذهابه، ومَن هم أهل البيت؟ ولماذا لا تشمل الآية نساء النبي (ص)؟ وقد وردت روايات كثيرة تؤكّد نزول الآية في النبي وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام. منها:
- روى أبو عبيدة محمد بن عمران المرزباني، عن أبي الحمراء قال: خدمتُ النبي(ص) نحواً من تسعة أشهر أو عشرة أشهر عند كلّ فجر لا يخرج من بيته إلّا ويأخذ بعضادتي عليَّ فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فتقول فاطمة وعليّ والحسن والحسين(ع): وعليك السلام يا نبي الله ورحمة الله وبركاته. ثمّ يقول: الصلاة رحمكم الله ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، ثمّ ينصرف إلى مصلّاه.
- وروى الطبري بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(ص): «نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ فِيَّ وَ فِي عَلِيٍّ وَ فِي حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ وَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ ﴿إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾»[٣].
- وروى الحاكم الحسكاني بإسناده عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي(ص) غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: ﴿إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾[٤].[٥].
مَن هُم أهل البيت؟
يُبيِّن لنا التطبيق العملي لرسول الله (ص) المقصود من أهل البيت ومن هم. فهناك أحاديث تقول بأنّ الرسول (ص) استمرّ لمدّة ستّة أشهر، وفي بعضها تسعة أشهر، يأتي كلّ يوم عند باب عليّ وفاطمة عليهما السلام ويطرق الباب عليهم فجر كلّ يوم، وفي بعض الروايات عدّة مرّات في اليوم الواحد، ويقول: «الصلاة .. الصلاة يا أهل البيت، ﴿إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾». ونجد هذا التطبيق العملي مقترناً بذكر أسمائهم في الأحاديث. وقد روي عن أم سلمة رضي الله عنها، زوجة النبي (ص)، أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية، فأرسل الرسول (ص) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين أجمعين، فقال: «اَللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا أَنَا مِنْ أَهْلِ اَلْبَيْتِ قَالَ إِنَّكِ أهلي خَيْرٌ وَ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي اَللَّهُمَّ أهلِي أَحَقُّ». وقد ذكر الحاكم النيسابوري في المستدرك أنّ هذا الحديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ولم تدَّعِ أيّ واحدة من نساء النبي (ص) هذا الشرف أبداً. وبالنظر في الآيات السابقة لآية التطهير، نجد أنّ الخطاب موجّه للنساء بضمائر الجمع المؤنّث. ثمّ تأتي آية التطهير في الوسط بضمير مذكّر. فمن الواضح أنّ المشمولين بهذه الآية لا يمكن أن يكونوا أنفسهم الذين ذُكروا بالضمائر المؤنّثة في الآيات السابقة. وأوّل من قال بأنّ آية التطهير نزلت في نساء النبي (ص) هو عكرمة، الذي كان خادماً لابن عبّاس، وكان معروفاً بالكذب والتزوير على ابن عباس. إذن، فعليّ (ع) كان ممّن شملته آية التطهير، التي تبيّن أنّ الله تعالى أراد إرادة تكوينية قطعية لا تتخلّف في إذهاب الرجس والمعصية والذنب وكلّ ألوان الخطأ عن هؤلاء الخمسة: محمد وعلي وفاطمة والحسنين عليهم الصلاة والسلام[٦].
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة الأحزاب، الآية 33.
- ↑ الأمالي للطوسي: ٣٧٢.
- ↑ تفسير الطبري ٢٢: ٦.
- ↑ شواهد التنزيل ٢: ٣٦.
- ↑ انظر: السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية: ٢٥٠ - ٢٥٢.
- ↑ انظر: السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية: ٢٥٢ و ٢٥٣.