التكليف

من إمامةبيديا
(بالتحويل من تكليف)

التعريف

لغةً‌: التكليف مصدر (كلّف)، وهو الأمر بما فيه مشقّة، وما كان معرضاً للثواب والعقاب[١]. قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[٢].

اصطلاحاً: طلب الشارع ما فيه كلفة من فعل أو ترك، بطريق الحكم وهو الخطاب المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التخيير[٣]، ويشمل الاقتضاء الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والتخيير الإباحة.

ويقابله الحكم الوضعي، وهو ما تعلّق بأفعال المكلّفين بنحو الوضع، الذي يشمل السبب والشرط والعلّة والمانع والصحّة والبطلان وغيرها من الأحكام الوضعية[٤].[٥]

أقسام التكليف

قسم الفقهاء التكليف إلى خمسة أقسام، هي: الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والإباحة. وذكروا أن الأقسام الأربعة الاُولى تتعلّق بفعل المكلّف بنحو الاقتضاء، فإن ورد خطاب الشارع باقتضاء الفعل فهو أمر، وله حالتان:

  1. أن يقترن بالمنع من الترك والمعاقبة عليه، فهو الوجوب.
  2. أن لا يقترن بذلك، فهوالندب. وإن ورد باقتضاء الترك فإمّا مع المنع من الفعل فهو الحرمة، وأمّا مع عدمه فهو الكراهة، وإن ورد بالتخيير، أي لا بإقتضاء فعل ولا ترك، فهو الإباحة.

وعدّت الإباحة حكماً تكليفياً مع عدم الكلفة والمشقّة فيها؛ إمّا من باب التغليب أو لتعلّقها بفعل المكلّف أيضاً كسائر الأحكام التكليفية، ومنع بعض الاُصوليين من تسميتها بذلك[٦].[٧]

الأحكام

حكمة التكليف

التكليف تشريف من الله سبحانه للإنسان وتكريم له، ميّزه به عن سائر الكائنات، قال الله تعالى:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[٨]، وذلك بما أودع فيه من مؤهلات العقل والقدرة على التكامل والتحكم بالغرائز، فإن أدّى الإنسان واجب هذا التشريف وأطاع وامتثل التكاليف تفضّل عليه الباري بعظيم ثوابه، وإن عصى وتهاون استحقّ سخط ربّه وعقابه[٩].[١٠]

شروط التكليف

هذا ما يعبّر به فقهاء الإمامية - وذلك عند بحثهم (الشروط العامّة للتكليف) -، وأمّا سائر الفقهاء فيعبِّرون عنه بشروط (أهلية الأداء)، وهي صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتدّ به شرعاً[١١].

وقد اتّفق الفقهاء على أنّ شروط التكليف العامّة ثلاثة هي: البلوغ والعقل والقدرة.

واستدلّ لاعتبار العقل والبلوغ في توجّه خطاب التكليف بأدلّة، منها: قول النبي(ص): «رَفَعَ الْقَلَمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَ عَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ ، وَ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُكَبِّرُ »[١٢].

واستدلّوا لاعتبار القدرة بقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا[١٣]. ولم يشترط الفقهاء الإسلام في شروط التكليف العامّة، نعم، اختلفوا في خطاب الكفّار بالفروع.

ويخرج بشرط العقل؛ المجنون والنائم والمغمى عليه. ويخرج بشرط البلوغ غير البالغ، إلّا أنّ للفقهاء كلام في تصرّفات الصبي ومسؤولية الولي عنها، كما لهم كلام في استحسان الطاعة منه، ولذا صرّحوا بأن للمميّز أهلية لكنّها ناقصة[١٤]، ويخرج بقيد القدرة غير القادر على الأداء، أمّا لعجزٍ فيه، أو لإكراهه. ويمثّل ما تقدّم من البلوغ والعقل والقدرة شروطاً عامّة في كلّ تكليف، ثمّ لكلّ من التكاليف المعيّنة شروطاً اُخرى خاصّة بها، يرجع فيها إلى محلّها[١٥].

سقوط التكليف

يسقط التكليف عمّن خوطب به في موارد هي:

  1. الضرر: حكم الفقهاء بسقوط كلّ تكليف يستلزم إتيانه الضرر على المكلّف، ولهم قاعدة في ذلك هي قاعدة: «لاَ ضَرَرَ وَ لاَ ضِرَارَ»، مستدلين بقول النبي (ص): «لاَ ضَرَرَ وَ لاَ ضِرَارَ فِي اَلْإِسْلاَمِ»[١٦].
  2. العسر والحرج: ممّا تسالم عليه الفقهاء هو ارتفاع التكليف في موارد العسر والحرج، ولهم قاعدة معروفة في ذلك هي (نفي العسر والحرج)، استدلّ عليها بقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[١٧]، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[١٨]، وغير ذلك من الأدلة.
  3. حكم الجهل والخطأ والنسيان والإكراه: تكلّم الفقهاء في حدود ارتفاع التكليف في موارد الجهل والخطأ والنسيان والإكراه[١٩].

وتكلّم بعض الاُصوليين في مِسقطات التكليف، وذكروا اُموراً منها: الامتثال، والعصيان وارتفاع الموضوع[٢٠]، ولهم خلاف وتفصيل في ذلك، كما تكلّموا في سقوط التكليف بالمركب إذا تعذّر بعض أجزائه[٢١]، إلى غير ذلك ممّا هو موكول إلى محلّه من علم اُصول الفقه[٢٢].

الاشتراك في التكليف

وهي قاعدة فقهية تنصّ على اشتراك المكلّفين في الأحكام رجالاً ونساء إلى يوم القيامة، كما بحثها علماء الاُصول أيضاً من زاوية شمول الخطابات الشفاهية للغائبين والمعدومين. واستدلّ عليها الفقهاء بالاستصحاب والإجماع والأخبار[٢٣].[٢٤]

المراجع والمصادر

  1. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن

الهوامش

  1. لسان العرب ١٤١:١٢. المصباح المنير: ٥٣٧. مجمع البحرين ١٥٨٧:٣. المعجم الوسيط ٧٩٥:٢، مادة (كلف).
  2. سورة البقرة، الآية ٢٨٦.
  3. انظر: الفصول الغروية: ٣٣٦. الاُصول العامّة للفقه المقارن: ٥٧-٥٨. جمع الجوامع ١٧١:١. إرشاد الفحول: ٦. التلويح على التوضيح ١٣:١.
  4. دروس في علم الاُصول ٦٤:١-٦٥.
  5. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٥، ص ٥٧٠.
  6. تعليقة على معالم الاُصول ٢١٥:١. منتهى الاُصول (البجنوردي) ٣٩٥:٢. الاٌصول العامة للفقه المقارن: ٥٧ وما بعدها. المحصول (الرازي) ٩٣:١، ط مؤسسة الرسالة. كشف الأسرار ٢٤٨:٤. فواتح الرحموت ١٤٣:١-١٤٤، ط بولاق. الذخيرة (القرافي) ٦٦:١، ط دار الغرب الإسلامي. اُصول الفقه (الخضري): ٣٧، ط دار الحديث، القاهرة.
  7. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٥، ص ٥٧٠.
  8. سورة الأحزاب، الآية ٧٢.
  9. الفتاوى الواضحة: ٣٩.
  10. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن (كتاب)|موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٥، ص ٥٧١.
  11. انظر: الفتاوى الواضحة: ٣٨-٣٩ وما بعدها. التلويح على التوضيح ١٦١:٢، ط صبيح. التقرير والتحبير ١٦٤:٣، ط بولاق. كشف الأسرار عن اُصول البزودي ٢٣٧:٤، ط دار الكتاب الإسلامي. فواتح الرحموت ١٥٦:١، دار صادر.
  12. وسائل الشيعة ٤٥:١، ب ٤ من مقدّمة العبادات، ح ١١. سنن أبي داوود ٥٥٨:٤، تحقيق عزت الدعاس. مستدرك الحاكم ٥٩:٢، ط دائرة المعارف العثمانية،
  13. سورة البقرة، الآية ٢٨٦.
  14. انظر: الفتاوى الواضحة: ٤٠. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١٥٤:٧.
  15. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٥، ص ٥٧٢.
  16. وسائل الشيعة ٣٢:١٨، ب ١٧ من الخيارات، ح ٣، ح ٤، ح ٥. المنتقى (الإمام مالك) ٤٠:٦، ط السعادة. مستدرك الحاكم ٥٧:٢، ط حيدر آباد. وانظر: الاستدلال به لنفي الحكم الضرري في: القواعد الفقهية (البجنوردي) ٢١٦:١ وما بعدها.
  17. سورة الحج، الآية ٧٨.
  18. سورة البقرة، الآية ١٨٥.
  19. انظر: نضد القواعد الفقهية: ١٤٤. الأشباه والنظائر (ابن نجيم): ٣٠٣. الأشباه والنظائر (السيوطي): ١٨٧-١٩٠. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١٠٩:٦، ٢٠١:١٦.
  20. انظر: دروس في علم الاُصول ٣٥٤:١-٣٥٥.
  21. هداية المسترشدين ٦٧٠:٢ وما بعدها.
  22. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٥، ص ٥٧٣.
  23. القواعد الفقهية (البجنوردي) ٥٣:٢-٥٥. نهاية الأفكار ١-٥٣١:٢ وما بعدها. منتقى الاُصول ٣٧١:٣ وما بعدها. المحصول (الرازي) ٣٨٨:٢ وما بعدها، ط مؤسسة الرسالة ١٤١٢ ه‍. المستصفى: ٢٤٢، ط دار الكتب العلمية.
  24. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن (كتاب)|موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٥، ص ٥٧٤.