إثبات نبوة النبي الخاتم
تمهيد
ذكرت تحت هذا العنوان عدّة أدلّة:
- الدليل الأوّل: إخبار نبيّ سابق
- الدليل الثاني: مضمون الدعوة
- الدليل الثالث: تجميع قرائن مختلفة
- الدليل الرابع: الإعجاز بمعنى خرق قوانين الطبيعة
الدليل الأوّل: إخبار نبيّ سابق
كماوردفي القرآن الكريم بشأن رسول الله(ص):
- ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد﴾[١].
- ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون﴾[٢].
- ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَر﴾[٣].
وهذا الوجه صحيح، ولكنّه ليس هو الوجه الأصلي؛ لاحتياجه إلى دليل سابق على نبوّة النبيّ السابق.
الدليل الثاني: مضمون الدعوة
لا إشكال في أنّ مضمون الدعوة يلقي ضوءاً واضحاً على صدق الرسالة وكذبها، فبقدر ما يكون المضمون مشتملاً على مفاهيم ونُظُم وأخلاقيّات رفيعة وعالية ونظيفة، يكون ذلك شاهداً على كونها سماويّة وإلهية، ولو كانت مشتملة على الخرافات أو الأخلاقيّات الخسيسة أو النُظُم الساقطة عقلاً تبرهن بذلك على كذب مدّعي الرسالة.
ولا استغراب من بلوغ رقيّ المضمون حدّاً لا يحتمل صدوره من سلطان من سلاطين الأرض، بل الواقع هو ذلك. فما ظنّك بدين مشتمل على نماذج كثيرة من مفاهيم وأحكام وأخلاقيّات لا يمكن أن يتصوّر أرقى منها، من قبيل: الاهتمام الجدّي بالالتزام بأرقى مستويات الخلق الرفيع حتّى مع أعدى عدوّه، فهل هناك عدوّ لله وللإسلام أكبر وأشدّ عداءً من المشرك؟ في حين أنّ الإسلام يؤكّد على ضرورة إيجار المشرك الذي استجارك ثمّ إبلاغه مأمنه عملاً بعهد الإيجار معه، في حين أنّه بمجرّد وصوله إلى مأمنه قد يحارب الإسلام بالسيف، وأيّ سلطان من سلاطين الأرض يحتمل ـ بحسب نُظُم الطبيعة ـ وصوله إلى هذا المستوى من رحابة الصدر في التمسّك بالأخلاق الرفيعة؟! قال الله تعالى:﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾[٤]، ويؤكّد على ضرورة الوفاء بالعهد مع أعدى عدوّه، بالرغم من أنّ الإسلام كان وقتئذ يعيش ذروة قدرته ولم يكن يحتاج إلى مداهنة العدوّ، قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين﴾[٥]، وقال أيضاً: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[٦].
ومن قبيل أمر الأولاد بخفض جناح الذلّ للوالدين، ولو كانا من أعدى أعداء الله، أي كانا من المشركين، قال الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾[٧]، ﴿وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾[٨]، ﴿وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾[٩]، ﴿وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً﴾[١٠].
والدليل على أنّ هذه الآيات تشمل الوالدين المشركين هو ما ورد في بعضها من النهي عن قبول قولهما في الأمر بالشرك، فهذا يعني أنّ الله يعلّم الأولاد على التذلّل والتخشّع للوالدين ولو كانا من أشدّ أعداء الله وهم المشركون، لا لشيء إلّا للحقّ الأخلاقيّ الثابت لهما على الولد؛ لكونهما من المقدّمات الإعداديّة لوجوده؛ ولتحمّل الاُمّ عناء الحمل والوضع والرضاع، على الرغم من أنّهما قد يكونان قد فعلا ما فعلا، وتحمّلت الاُمّ ما تحمّلت لإرضاء رغبات نفسيّة لا أكثر من ذلك، وأيّ سلطان أرضيّ يمكنك أن تتصوّره آمراً لرعيته بخفض جناح الذلّ لأعدى أعدائه وألدّهم؟
وأيّ دين غير سماوي يستطيع أن يربّي أحداً بمستوى المواساة بترك شرب الماء عن عطش، حال بينهم وبين السماء كالدخان، بالرغم من أنّ شربه لم يكن يكلّفه تأخير الماء عن إمام زمانه كي يعدّ ذلك إيثاراً، بل كان مجرّد المواساة البحت وكأنّه افترضه واجباً على نفسه إلى حدّ قال:
والله ما هذا فعال دين ولا فعال صادق اليقين
أفليس هذا المستوى من الخلق الإسلامي الرفيع فوق ما يتصوّر في التربية الطبيعيّة الأرضيّة؟
فإذا كانت الرسالة مليئة بنماذج من هذه الخلقيّات الرفيعة، وكذلك بنُظم وقوانين حكيمة متقنة، أفلا يورث ذلك القطع بسماويّة الدين وصحّة الرسالة وصدق الرسول؟
إنّ القرائن المختلفة من ظروف الرسول وبيئته وحالاته، وما إلى ذلك قد يورث بعضها أو مجموعها القطع بصحّة الرسالة وصدق الرسول، فمثلاً كون الرسول صادقاً وأميناً لدى الناس مدّة حياته الطويلة قبل البعثة، وكذلك خروجه من بيئة جاهلة ضالّة منهمكة في الخرافات والحروب والرذائل، وعدم تتلمذه لدى أيّ عالم من العلماء وعدم قراءته وكتابته وإتيانه على الرغم من كلّ ذلك بأرقى برنامج كامل شامل للحياة السعيدة، وكذلك كون القريبين منه والمؤمنين به من المتّسمين بالصلاح وسلامة النفس، وما إلى ذلك من القرائن يوجب بمجموعه بل ببعضه اليقين بالصدق.
وقد نقل عن قيصر ملك الروم استناده إلى هذا الدليل في تصديق النبيّ(ص)، فإنّه عندما كتب إليه الرسول محمّد(ص) رسالة يدعوه فيها إلى اعتناق دينه الذي أتى به، أخذ ـ بعد استلامه الرسالة ـ يتأمّل في عبارات الرسول وكيفية الكتابة حتّى وقع في نفسه احتمال صدق الدعوى، فأمر جماعة من حاشيته بالتجوّل في الشام والبحث عمّن يعرف الرسول عن قرب وله اطّلاع على أخلاقه ونفسيّاته، فانتهى البحث إلى العثور على أبي سفيان وعدّة كانوا معه في تجارة إلى الشام، فاُحضروا إلى مجلس قيصر فطرح عليهم الأسئلة التالية:
قيصر: كيف نسبه فيكم؟
أبو سفيان: محض أوسطنا نسباً.(يعني أعلانا نسباً).
قيصر: أخبرني هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما يقول فهو يتشبّه به؟
أبو سفيان: لا، لم يكن في آبائه من يدّعي ما يقول.
قيصر: هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه؟
أبو سفيان: لا.
قيصر: أخبرني عن أتباعه منكم، من هم؟
أبو سفيان: الضعفاء والمساكين والأحداث من الغلمان والنساء، وأمّا ذوو الأسنان والشرف من قومه فلم يتبعه منهم أحد.
قيصر: أخبرني عمّن تبعه، أيحبّه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟
أبو سفيان: ما تبعه رجل ففارقه.
قيصر: أخبرني كيف الحرب بينكم وبينه؟
أبو سفيان: سجال، يدال علينا وندال عليه.
قيصر: أخبرني هل يغدر؟
أبو سفيان: ـ لم أجد شيئاً ممّا سألني عنه أغمزه فيه غيرها فقلت ـ: لا ونحن منه في هدنة، ولا نأمن غدره (وأضاف أبو سفيان بأنّ قيصر ما التفت إلى الجملة الأخيرة منه).
ثمّ إنّ قيصر أبان وجه السؤال عن الاُمور السابقة، وأنّه كيف استنتج من الأجوبة التي سمعها من أبي سفيان أنّه نبيّ صادق بقوله:
سألتك كيف نسبه فيكم فزعمت أنّه محض من أوسطكم نسباً، وكذلك يأخذ الله النبيّ إذا أخذه لا يأخذه إلّا من أوسط قومه نسباً.
وسألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول بقوله فهو يتشبّه به، فزعمت أن لا.
وسألتك هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث يطلب به ملكه، فزعمت أن لا.
وسألتك عن أتباعه، فزعمت أنّهم الضعفاء والمساكين والأحداث والنساء، وكذلك أتباع الأنبياء في كلّ زمان.
وسألتك عمّن يتبعه أيحبّه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ فزعمت أن لا يتبعه أحد فيفارقه، وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلباً فتخرج منه.
وسألتك هل يغدر، فزعمت أن لا، فلئن صدقتني عنه ليغلبنّي على ما تحت قدميّ هاتين، ولوددت أ نّي عنده فأغسل قدميه، انطلق لشأنك.
قال أبو سفيان: فقمت من عنده وأنا أضرب إحدى يديّ بالاُخرى وأقول: إي عباد الله! لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة، أصبح ملوك بني الأصفر يهابونه في سلطانهم بالشام[١١].
الدليل الرابع: الإعجاز بمعنى خرق قوانين الطبيعة
وقد استدلّ العلماء رحمهم الله بذلك على النبوّة بحجّة أنّ إجراء المعجز على يد المتنبّئ الكاذب تغرير من قبل الله تعالى لعباده بالجهل والضلال، وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
إلّا أنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) لم يقبل هذا النمط من الاستدلال وقال: إنّه لولا وجود دلالة سابقة للإعجاز على حقّانيّة الرسول لما كان في إجرائه على يدي مدّعي الرسالة كذباً إغراء بالباطل، فدلالة الإعجاز على حقّانيّة الرسول ثابتة قبل هذا النوع من الاستدلال وبقطع النظر عنه[١٢].
أقول: يمكن أن يدّعي أحَدٌ كدفاع عن المشهور بأنّ الإعجاز له دلالة لدى عامّة الناس البسطاء على صدق مدّعي الرسالة يقيناً، وعندئذ فمن حق خاصّة الناس الذين لا ينغرّون بالحجج الوهميّة أن يستدلّوا على كشف الإعجاز عن الحقّانيّة، بأنّه لو كان يجرى على يد كاذب لكان في ذلك إغراء لعامّة الناس، وهذا غير جائز على الله سبحانه.
وأمّا أصل دلالة الإعجاز على حقّانيّة الرسول سابقاً وقبل الالتفات إلى نكتة التغرير فكلام متين، فإنّ من يأتي إلينا رسولاً من قبل شخص، ويستشهد لصدقه بإراءة ما هو من مختصّات المرسل وقد جعله عند الرسول علامة على أنّه جاء من قبله ـ كخاتم المرسل أو كرسالة تؤيّده أو نحو ذلك ـ نجزم بصدقه؛ إذلولا أنّه قد جاء من قبله حقّاً فمن أين له هذا الشيء الذي هو من مختصّات المرسل؟! وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ خرق قوانين الطبيعة أمر مختصّ بخالق الطبيعة ومقنّن تلك القوانين أو المعطى من قبله ذلك، فلولا صدق هذا الرسول ومجيئه من قبل الله فمن أين له بما هو من مختصّاته؟
الطرق المتصوّرة للإعجاز:
ثمّ إنّ الذي أشرنا إليه من أنّ الإعجاز يكون خرقاً لقوانين الطبيعة، والذي لا يوجد بحدّ ذاته إلّا لدى خالق الطبيعة ونُظُمها يتصوّر بعدّة طرق مذكورة من قبل علمائنا العظام، وكلّها اُمور معقولة:
الأوّل: أن يكون خرق تلك القوانين من قبل الله مباشرة بسبب طلب الرسول منه ذلك، وهو باعتباره خالقاً للطبيعة وواضعاً لقوانينها يستطيع خرقها.
الثاني: أن يكون الرسول قد علّمه الله تعالى عوامل طبيعيّة اُخرى تكون بدلاً من العوامل الظاهريّة التي يعلمها الناس، فبإعمالها يحقّق الرسول الغرض. والخرق لقوانين الطبيعة هنا إنّما يكمن في الوصول إلى تلك العوامل الاُخرى من دون تحقيق الوسائل الطبيعيّة لكشفها، من قبيل وسائل الكشوف الحديثة اليوم التي كشفت بها كثير من العوامل الطبيعيّة التي لم تكن منكشفة في قديم الزمان.
الثالث: تصرّف النبيّ نفسه بولاية تكوينيّة وقوّة الروح المعطيتين له من قبل الله، وهنا يكمن خرق قوانين الطبيعة في الوصول إلى تلك الولاية أو قوّة الروح عن غير وسائل طبيعيّة لذاك الوصول، فلئن كان أصحاب الرياضات يصلون إلى بعض مستويات قوّة الروح بوسائل طبيعيّة رياضيّة، فالرسول الذي لم يقم بتلك الرياضات ولم يتعلّم من أحد تلك الأساليب تراه يفعل ما هو أقوى وأكبر ممّا يفعله اُولئك؛ فيبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.
وكذلك السحرة يوهمون أعين الناس ويجعلونهم يتخيّلون ما يفعلونه بوسائل طبيعيّة، وهي أساليب السحر التي تعلّموها بالطرق الطبيعيّة، في حين أنّ الرسول لا يسلك تلك الطرق والوسائل، ولكنّه يحقّق واقع ما يريد وليس مجرّد تخييل، ومن الطبيعي عندئذ أن يكون السحرة أوّل من يؤمن؛ لأنّ الوسائل الطبيعيّة للسحر واضحة لديهم: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاَْعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِر وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾[١٣]، وقال أيضاً عزّ من قائل:﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْر عَظِيم * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُون﴾[١٤].
وقد اتّضح ممّا أشرنا إليه أنّ المعجز لا يشتبه بعمل السحرة ولا بعمل المرتاضين ولا بعمل علماء الطبيعة الذين يعملون ببركة علومهم واكتشافاتهم ما لو كان يُعمل قبل تلك الاكتشافات لكان يُبهر العقول، كإنارة العالم بالكهرباء، أو شفاء المرضى بعلاجاتهم الجبّارة، أو إرسال الأقمار الصناعيّة إلى السماء، أو إنزال عدد من البشر أو الموادّ على كرات اُخرى، أو ما إلى ذلك. فالإعجاز وحده هو الذي يكون خرقاً لقوانين الطبيعة، أمّا السحر فهو عمل تخييلي لا واقعي قائم على اُسس طبيعيّة يتعلّمها الساحر في دروس مخصوصة واكتشافات مدروسة، وكذلك الأعمال الرياضيّة لها طرقها الطبيعيّة يصل إليها المرتاضون بعد معاناة طويلة من الرياضات التي يتحمّلونها كي يبلغوا قوّة روحيّة مخصوصة، كما أنّ العلوم والاكتشافات الحديثة أيضاً ليست إلّا اُموراً طبيعيّة وصل إليها الإنسان بعد جهد جهيد ومعاناة طويلة.[١٥]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ س ٦۱ الصفّ، الآية: ٦.
- ↑ س ۲ البقرة، الآية: ۱٤٦.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ۱٥۷.
- ↑ س ۹ التوبة، الآية: ٦.
- ↑ س ۹ التوبة، الآية: ٤.
- ↑ س ۹ التوبة، الآية: ۷.
- ↑ س ۱۷ الإسراء، الآية: ۲۳ ـ ۲٤.
- ↑ س ۳۱ لقمان، الآية: ۱٤ ـ ۱٥.
- ↑ س ۲۹ العنكبوت، الآية: ۸.
- ↑ س ٤٦ الأحقاف، الآية: ۱٥.
- ↑ الإلهيات ۲: ۱۱۲ ـ ۱۱٤ نقلاً عن تاريخ الطبري ۲: ۲۹٠ ـ ۲۹۱.
- ↑ راجع كتابنا مباحث الاُصول، الجزء الأوّل من القسم الثاني: ٥٠۸.
- ↑ س ۲٠ طه، الآية: ٦٦ ـ ۷٠.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ۱۱٦ ـ ۱۲۲.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص206-213.