الإعجاز
تمهيد
«الإعجاز» هو دليل يثبت صدق ادّعاء النبي بأنّه مرسل من عند الله. فعندما يأتي شخص ويدّعي أنّه نبي ورسول من الله، يجب أن يكون لديه دليل يثبت صحّة هذا الادّعاء. وهذا الدليل يسمّى المعجزة.
شروط المعجزة
ذكر العلماء أنّ المعجزة يجب أن تتوفّر فيها شروط معيّنة حتّى تكون دليلاً على صدق النبوة، وهي:
- أن تكون المعجزة أمراً خارقاً للعادة، أي شيئاً لا يستطيع البشر فعله عادةً.
- أن يكون صاحب المعجزة يدّعي النبوة والرسالة من عند الله.
- أن يعجز جميع البشر عن الإتيان بمثل هذه المعجزة.
تفصيل شروط المعجزة:
١. كون المعجزة أمراً خارقاً للعادة
هناك فرق بين الأمر الخارق للعادة والأمر المستحيل. فمثلاً، من الممكن أن تنمو الحيّة الصغيرة وتصبح كبيرة بعد فترة من الزمن. لكن أن تتحوّل عصا عادية إلى أفعي كبيرة فجأة عند إلقائها على الأرض، فهذا أمر خارق للعادة، كما حدث مع سيدنا موسى (ع). ومن الأمثلة أيضاً، أن يصنع سيدنا عيسى (ع) من الطين شكل طير، ثمّ ينفخ فيه فيصبح طيراً حيّاً بإذن الله، فهذا أمر خارق للعادة. بينما يمكن لأيّ شخص أن يصنع تمثالاً على شكل طير، لكنّه لن يصبح طيراً حقيقيّاً. وكذلك إبراء الأكمه (المولود أعمى) والأبرص، وإحياء الموتى، كلّها أمور خارقة للعادة حدثت مع سيدنا عيسى (ع). وينبغي أن تتناسب معجزة كلّ نبي مع ما اشتهر في عصره. ففي زمن سيدنا موسى كان السحر منتشراً، فجاءت معجزته بتحويل العصا إلى حيّة حقيقيّة تبتلع ما يصنعه السحرة. وفي زمن سيدنا عيسى كان الطب متقدّماً، فجاءت معجزته بإبراء المرضى وإحياء الموتى. أمّا في زمن النبي محمد (ص)، فكانت الفصاحة والبلاغة في أوجها، فجاءت معجزته بالقرآن الكريم الذي تحدّى الفصحاء والبلغاء أن يأتوا بمثله.
٢. ادعاء النبوة
من البديهي أن يكون صاحب المعجزة مدّعياً للنبوة والرسالة من عند الله، فلا يعقل أن يأتي شخص بمعجزة دون أن يدّعي النبوة. فكما أنّ الطبيب الحاذق أو الشاعر الماهر لابدّ أن يكون لديه ما يثبت تفوّقه، كذلك الأنبياء تأتي معجزاتهم لتثبت صدق دعواهم. بل إنّ الله قد يرسل نبيّاً أُمّيّاً لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك يأتي بمعجزة لا يستطيع أفصح الناس وأبلغهم الإتيان بمثلها، كما في معجزة القرآن الكريم.
٣. عجز البشر عن الإتيان بمثل المعجزة
من شروط المعجزة أيضاً أن يتحدّى النبي الناس أن يأتوا بمثلها، فيعجزون عن ذلك. فالتحدّي عنصر أساسي في إثبات الإعجاز، بحيث يتّضح للجميع أنّ هذا الأمر الخارق للعادة لا يستطيع أحد غير النبي الإتيان به حتّى لو حاول؛ لأنّه من عند الله عزّ وجلّ[١].
حقيقة الإعجاز
إنّ حقيقة الإعجاز تتمثّل في ثلاثة أمور مهمة:
- ادعاء النبوة: أي أنّ النبي محمد (ص) أعلن للناس أنّه رسول من الله سبحانه وتعالى.
- التحدي: أي أنّ النبي (ص) تحدّى الناس أن يأتوا بمثل القرآن، وشجّعهم على ذلك بكلّ الطرق.
- عجز الناس عن المجاراة: أي أنّ الناس عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن رغم التحدّي، ولم يستطيعوا حتّى الإتيان بسورة واحدة مثله.
العنصر الأوّل: ادّعاء النبوة
من المعروف والمتّفق عليه أنّ النبي محمد (ص) أعلن نبوّته ورسالته للناس جميعاً، كما ذكر القرآن الكريم ذلك بوضوح في الآية: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَميعاً الَّذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيي وَ يُميتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ كَلِماتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[٢]. والمهمّ في هذه الدعوة:
- أنّ النبي خاطب الناس كلّهم وليس فقط العرب أو قومه.
- أنّه أعلن صراحة أنّه رسول من الله تعالى للناس.
العنصر الثاني: التحدّي
لقد تحدّى النبي (ص) الناس أن يأتوا بمثل القرآن ليثبت أنّه على صلة بالله تعالى خالق كلّ شيء. وكان هذا التحدّي على ثلاث مراحل، واستخدم القرآن كلّ أساليب التشجيع والإغراء للناس ليقبلوا التحدّي. ورغم أنّ مجتمع الجزيرة العربية آنذاك كان يتميّز بالفصاحة والبلاغة العالية، إلّا أنّهم عجزوا عن مجاراة القرآن. وهذا التحدّي ما زال قائماً إلى يومنا، هذا بل حتّى يوم القيامة.
العنصر الثالث: عجز الناس عن المجاراة
فشل جميع الناس في مجاراة القرآن رغم التحدّي، ولم يستطع أحد الإتيان ولو بسورة واحدة مثله. وفضّلوا تحمّل الأذى والخسائر في الأرواح والأموال على محاولة منافسة القرآن ولو بكلمة واحدة[٣].
إعجاز القرآن
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ انظر: السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية: ١٧٠ - ١٧٢.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٥٨.
- ↑ انظر: السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية: ٢٠٢ و ٢٠٣.