البكاء في معارف الإمام الحسين وسيرته

من إمامةبيديا

التمهيد

«البكاء»: «العين الباكية، منبع فيض الله».

للبكاء على مصيبة أبي عبد الله ثواب كبير. وقد بكى الملائكة والأنبياء، والأرض، والسماء، والحيوانات، والصحراء، والبحر على تلك المصيبة[١].

ان البكاء يعكس الارتباط القلبي بأهل البيت وسيد الشهداء. والدموع تروي القلب، وتزيل الظمأ وهي حصيلة محبّة أهل البيت، ومن الطبيعي ان التعاطف الروحي مع الائمة يستوجب مشاركتهم في حزنهم وفي فرحهم. ومن علامة الشيعة انهم: « يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَ يَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا »[٢].

لا شكّ ان القلب الطافح بمحبّة الحسين يبكي عند ذكر مظلوميّته واستشهاده. فالدموع لسان القلب ودليل المحبّة.

ان البكاء على مصيبة سيّد الشهداء تجديد للبيعة مع عاشوراء وثقافة الشهادة، واستمداد الطاقة الفكرية والروحية من هذه المدرسة. وسكب الدموع هو نوع من اقرار العهد، وتصديق على ميثاق المودّة مع سيّد الشهداء. وقد اكد ائمة الشيعة كثيراً على البكاء على مظلومية أهل البيت. واعتبروا شهادة الدموع كدليل على صدق المحبّة. قال الإمام الصادق(ع): «مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَ لَوْ مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ [اَلذُّبَابِ] غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ وَ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ اَلْبَحْرِ»[٣].

وأكّد الائمة كثيراً على البكاء على الحسين(ع)، قال الإمام الرضا(ع) لـ ريان بن شبيب في حديث طويل: «يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ اَلْكَبْشُ ...»[٤]. وقال في حديث آخر: « إِنَّ اَلْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ اَلْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ اَلْقِتَالَ فِيهِ فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا وَ سُبِيَتْ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤٌنَا وَ أُضْرِمَتِ اَلنِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا وَ اُنْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقَلِنَا وَ لَمْ يُتْرَكْ لِرَسُولِ اَللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا إِنَّ يَوْمَ اَلْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا أَرْضُ كَرْبٍ وَ بَلاَءٍ أَوْرَثَتْنَا اَلْكَرْبَ وَ اَلْبَلاَءَ إِلَى يَوْمِ اَلاِنْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ اَلْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ اَلْبَاكُونَ فَإِنَّ اَلْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ اَلذُّنُوبَ اَلْعِظَامَ.»[٥].

وقال الإمام الحسين(ع): « أَنَا قَتِيلُ اَلْعَبْرَةِ لاَ يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلاَّ بَكَى وَ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ»[٦]، وبكى الإمام السجاد(ع) على الإمام الحسين(ع) عشرين سنة، ولم يوضع بين يديه طعام إلّا وبكى[٧].

وقال الإمام الصادق(ع): «كُلُّ اَلْجَزَعِ وَ اَلْبُكَاءِ مَكْرُوهٌ سِوَى اَلْجَزَعِ وَ اَلْبُكَاءِ عَلَى اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ»[٨].

ان البكاء والابكاء والتباكي كله حسن وله أجر وثواب. وذكرت للبكاء على الحسين فضائل كثيرة منها: ان الدموع تنطفئ لظى جهنم، والجزع على مصيبة سيّد الشهداء امان من العذاب فيها اذا لم تكن ذنوب الإنسان بالقدر الذي لا يمنع بلوغه الفيض الإلهي، والدموع التي تظهر الارتباط الروحي والعقائدي والعاطفي مع خط الائمة وسيد الشهداء لابد وانها تخلق لدى الإنسان الارضية لتصبح لديه حصانة من الذنوب.

قال الشهيد المطهري في هذا المجال: «البكاء على الشهيد مشاركة له في ملحمته، وتجاوبا مع روحه، وانسياقا وراء نشاطه وحركته ... والإمام الحسين(ع) بشخصيته الجليلة، وشهادته البطولية ملك قلوب ومشاعر مئات الملايين من الناس، ولو انتدب جماعة على هذا المخزن الهائل والنفيس من المشاعر والمعنويات، اي ان الخطباء لو استثمروا هذا المخزون العظيم بشكل صحيح لاجل ايجاد حالة من الانسجام والتناسق والتناغم بين الارواح والروح الحسينية الكبيرة لأصلحوا قطاعا مهما من العالم»[٩].

اذن فالمهم هو معرفة فلسفة البكاء على طريق احياء عاشوراء، والشعائر الحسينية، وثقافة كربلاء، وليس ارتكاب الذنوب على أمل محوها بعدّة قطرات من الدموع! وليس من المؤكد ان القلب الغارق بالذنوب يبكي على الإمام الحسين عند استذكار مصائبه.

البكاء في ثقافة عاشوراء سلاح جاهز على الدوام يمكن رفعه عند الحاجة بوجه الظالمين. الدموع هي لغة القلب، والبكاء هو صرخة عصر المظلومية. ورسالة الدموع تنطوي أيضاً على حراسة دم الشهيد. قال احد العلماء: «ان البكاء على الشهيد احياء للثورة، واحياء لمفهوم ان فئة قليلة تقف بوجه امبراطور كبير ... انهم يخشون هذا البكاء، لأن البكاء على المظلوم صرخة بوجه الظالم»[١٠].

الدموع، مطلع فصل المحبّة والمودّة ونابعة من العشق الذي اودعه الله في قلوب الناس وجعلها تنجذب للحسين بن علي (ع) . وطبقاً للحديث الوارد عن رسول الله (ص) انّه قال: « إِنَّ لِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ لاَ تَبْرُدُ أَبَداً ...»[١١].

واليوم فان الدموع والبكاء هي الصلة مع الحسين، ونحن نجلس على مائدة الحسين ونتربّى في مدرسته بفضل ما نسكبه من دموع. وهذا يعني اننا قد اطعمنا هذه المحبة مع حليب امهاتنا، وهي لا تخرج منا إلّا مع خروج ارواحنا.[١٢]

المراجع والمصادر

  1. جواد المحدثي، موسوعة عاشوراء

الهوامش

  1. بحار الانوار ٤٥: ٢٢٠ وما بعدها، سفينة البحار ١: ٩٧.
  2. ميزان الحكمة ٥: ٢٣٣.
  3. وسائل الشيعة ١٠: ٣٩١.
  4. بحار الانوار ٤٤: ٣١٣.
  5. بحار الانوار ٤٤: ٢٨٣.
  6. بحار الانوار ٤٤: ٢٧٩.
  7. بحار الانوار ٤٦: ١٠٨.
  8. بحار الانوار ٤٥: ٣١٣.
  9. كتاب «الشهيد» للشهيد المطهري: ١٢٤ ـ ١٢٥.
  10. صحيفة النور ١٠: ٣١.
  11. جامع أحاديث الشيعة ١٢: ٥٥٦.
  12. جواد المحدثي، موسوعة عاشوراء، ص ٦٩.