الحشر
تمهيد
من الآيات المباركة التي أشارت إلى الحشر:
قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [١]
قال تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [٢]
قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [٣]
قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ﴾ [٤]
قال تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ [٥]
ومن الأحاديث الشريفة في ذلك حيث يروي «اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ جَالِساً قَرِيباً مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ رَأَيْتَ قَوْلَ اَللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾[٦] اَلْآيَاتِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ مِنَ اَلْأَمْرِ ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يُحْشَرُ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أُمَّتِي أَشْتَاتاً قَدْ مَيَّزَهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ بَدَّلَ صُوَرَهُمْ بَعْضَهُمْ عَلَى صُورَةِ اَلْقِرَدَةِ؛ وَ بَعْضَهُمْ عَلَى صُورَةِ اَلْخَنَازِيرِ، وَ بَعْضُهُمْ مُنَكَّسُونَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ فَوْقُ، وَ وُجُوهُهُمْ مِنْ تَحْتُ، ثُمَّ يُسْحَبُونَ عَلَيْهَا، وَ بَعْضُهُمْ عُمْيٌ يَتَرَدَّدُونَ، وَ بَعْضُهُمْ صُمٌّ وَ بُكْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ، وَ بَعْضُهُمْ يَمْضَغُونَ أَلْسِنَتَهُمْ تَسِيلُ اَلْقَيْحُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لِعَاباً يَتَقَذَّرُهُمْ أَهْلُ اَلْجَمْعِ، وَ بَعْضُهُمْ مُقَطَّعَةٌ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ، وَ بَعْضُهُمْ مُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ، وَ بَعْضُهُمْ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ اَلْجِيَفِ، وَ بَعْضُهُمْ يَلْبَسُونَ جِبَاباً سَابِغَةً مِنْ قَطِرَانٍ لاَزِقَةً بِجُلُودِهِمْ، فَأَمَّا اَلَّذِينَ بِصُورَةِ اَلْقِرَدَةِ فَالْقَتَّاتُ مِنَ اَلنَّاسِ وَ أَمَّا اَلَّذِينَ عَلَى صُورَةِ اَلْخَنَازِيرِ فَأَهْلُ اَلسُّحْتِ وَ أَمَّا اَلْمُنَكَّسُونَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَآكِلَةُ اَلرِّبَا وَ اَلْعُمْيُ اَلْجَائِرُونَ فِي اَلْحُكْمِ، وَ اَلصُّمُّ اَلْبُكْمُ اَلْمُعْجَبُونَ بِأَعْمَالِهِمْ وَ اَلَّذِينَ يَمْضَغُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ اَلْعُلَمَاءُ وَ اَلْقُضَاةُ اَلَّذِينَ خَالَفَ أَعْمَالُهُمْ أَقْوَالَهُمْ، وَ اَلْمُقَطَّعَةُ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْجِيرَانَ، وَ اَلْمُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ فَالسُّعَاةُ بِالنَّاسِ إِلَى اَلسُّلْطَانِ، وَ اَلَّذِينَ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ اَلْجِيَفِ فَالَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِالشَّهَوَاتِ وَ اَللَّذَّاتِ. وَ يَمْنَعُونَ حَقَّ اَللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ، وَ اَلَّذِينَهُمْ يَلْبَسُونَ اَلْجِبَابَ فَأَهْلُ اَلْفَخْرِ وَ اَلْخُيَلاَءِ».
ولتوضيح ذلك نشير إلى حقائق ثلاث:
الحقيقة الأولى: إنَّ كل روح وكل نفس تتناسب مع جسد معين وصورة وهيكل خاص، فمثلاً الروح التي تحاول أنْ تكون معادية فهذه الصفة تتناسب مع هيكل الكلب الذي يحمل على غيره ويريد إيذاءه، وروح الميل للحرام والدياثة تتناسب مع الخنزير وهكذا ...، والصورة الحقيقية للفرس أو الحصان هو الوفاء، وصفة البلادة تتناسب مع الحمار، إذاً الصفات والخصوصيات التي تتكون منها الشخصية تتناسب مع الحالة التي نجدها ولذلك الصورة البرزخية تكون دلالاتها على الشخصية.
الحقيقة الثانية: إنَّ لكل إنسان تصويرين؛ تصوير ظاهري وتصوير باطني، والتصوير الظاهري يعرف بعلم الفراسة، وأما التصوير الباطني عادة لايظهر في الدنيا وإنما يظهر في الآخرة ويظهر الإنسان على حقيقته.
الحقيقة الثالثة: إنَّ العبرة دائماً بالواقع وليس بالظاهر.[٧]
مع أي بدن يحشر الناس
هناك شبهة يرددها دائما الذين ينكرون المعاد وتعرف ب(شبهة الآكل والمأكول) أو (شبهة الاتحاد بين المؤمن والكافر). وتتلخص هذه الشبهة في أنَّ بدن المؤمن قد يصبح جزءً من بدن الكافر، وبدن الكافر قد يصبح جزءً من بدن المؤمن فمن يعذب؟
يقول منكر والمعاد إذا آمنا بأنَّ روح الإنسان ونفسه تبقيان ثابتتين من دون تغيير، وإذا انفصلت الروح عن الجسد بالموت وضع الجسد في التراب ويندثر ويصبح جزءً من الأرض إلى مزرعةٍ تزرع فيها الفاكهة وتأخذ الفاكهة إلى السوق ويشتريها إنسان آخر فيؤكلها، فالآكل في الحقيقة قد أكل ما هو متغذٍّ من أجزاءِ جسدٍ مندثر سابقاً في التراب، فإنْ كان جسد كافر فما الذي يحدث إنَّ أكل الفاكهة شخصٌ مؤمنٌ؟
فالشبهة تكمن في أنَّ الآكل المؤمن قد دخل في جوفه جزء من بدن الكافر فمعنى ذلك إنَّ الكافر الذي أصبح جزءٌ من المؤمن دخل الجنة، وكذلك إنْ جزء من المؤمن في بدن الكافر، فمعنى ذلك إنَّ المؤمن دخل النار، ونحن نعلم إنَّ الأرض قد تتحول من فترة إلى أخرى فيتحول جسد مؤمنٍ إلى آخر كافرٍ، وجسد كافر إلى مؤمن وهكذا، ولذا قد يكون جزء الكافر جزءٌ من بدن المؤمن، وقد يصبح المؤمن جزء من الكافر، فأيهما سيكون الملاك الأكل والمأكول؟
فالمعاد إذاً غير ممكن كما يعتقد هؤلاء الذين ينكرون المعاد.
يقول علماء الكلام في الجواب على ذلك: إنَّ البدن يتكوَّن من أجزاءٍ أصليةٍ وأجزاءٍ فضيلةٍ، فالأجزاء الأصلية هي التي تبقى، والأجزاء الفضيلة هي التي تزول ولا قيمة لها، فيحصل التركيب والتغيير و...، أما الأجزاء الأصلية فإنها لا تؤكل ولا تنقل إلى جسد آخر وهي التي يتميز بها، وبناءً على ذلك لا داعي لأنْ نقول بأنَّ جزءً من المؤمن يصبح للكافر أو العكس. ويؤكد ذلك رواية الكليني في الكافي، عن عمار السابطي عن الإمام الصادق(ع) أنه سئل عن الميت هل يبلى جسده؟ قال: نعم حتى لايبقى له عظم ولا لحم إلا الطينة التي خلق منها فإنها لاتبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة..
في الحقيقة هذا اللون من الأحاديث لاتعطي دلالة قوية من حيث الواقع الخارجي، فمثلاً لو احترق الجسد كله أو أكلته السباع أو... فأين منه الأجزاء الأصلية؟ والمختار هو ضرورة وجود جسد مع الروح في مسألة المعاد.
فالروح -طبعاً- لم تتغير لأنها من عالم المجردات، ويوم القيامة تحتاج الروح إلى جسد مادي تتلبس فيه، لابد أنَّ الروح من صورة جسدية وهذه الصورة قد تكون أي صورة، ليس بالضرورة أنْ تكون الأولى أو الوسطى أو الأخيرة. فإذن في مسألة الآكل والمأكول قد يكون الجسد الذي أكل لايُحشر وإنما الجسد الذي لم يؤكل، فلايوجد دليل على أنَّ كل الخلايا الجسدية إنما أكلت من قبل الكافرين إذا كان الإنسان تتبدل كل خلايا جسمه في كل سبع سنوات. إذاً شخصية المؤمن محفوظة وشخصية الكافر كذلك.[٨]
حشر الحيوانات
لقد أشار القرآن الكريم إلى مسألة حشر الحيوانات في آيات متعددة منها:
قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [٩]
قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [١٠]
ومن الأحاديث التي تبين هذه الحقيقة قولهم(ع) في مانع الزكاة: «تَنْهَشُهُ كُلُّ ذَاتِ نَابٍ بِنَابِهَا وَ تَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا ».
وروى الشيخ الصدوق عن السكوني بإسناده عن رسول الله(ص): «أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبْصَرَ نَاقَةً مَعْقُولَةً وَ عَلَيْهَا جَهَازُهَا فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُهَا مُرُوهُ فَلْيَسْتَعِدَّ غَداً لِلْخُصُومَةِ»
وعن الصادق(ع): «قَالَ: أَيُّ بَعِيرٍ حُجَّ عَلَيْهِ ثَلاَثَ سِنِينَ يُجْعَلُ مِنْ نَعَمِ اَلْجَنَّةِ وَ رُوِيَ سَبْعَ سِنِينَ»
وعن النبي(ص): «اِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى اَلصِّرَاطِ»
ويذكر الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [١١] قال قتادة يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص! ويروي -الفخر الرازي- عن المعتزلة في تفسيره الكبير بأنَّ الله تعالى يحشر الحيوانات كلها في ذلك اليوم ليعوضها على ألمها التي وصلت إليها في الدنيا بالموت أو القتل وغير ذلك، فإذا عوضت عن كُلِّ آلامها فإنْ شاء الله أنْ يبقي بعضها في الجنة إذا كان مستحسناً فعل، وإنْ شاء الله أنْ يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر.
ثم ينهي كلامه بقوله: وأما أصحابنا (الأشاعرة) فعندهم أنه لايجب على الله شيء بحكم الاستحقاق ولكن الله تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها موتي فتموت.
أما من الناحية العقلية، يقول صدر المتألهين الشيرازي: لكل شيء غاية يسعى إليها، والحركة باتجاه تلك الغاية هو الكمال المطلوب والأمر الغريزي والجبلي لكل مخلوق، وبهذا لايكون تعطيلاً في الخلق، والحيوانات حينما تموت تكون قد وصلت إلى كمالها اللائق بها، أما الروح الحيوانية فقد وصلت إلى الغايات وهو المقصود من حشر الحيوانات.[١٢]
أدلة المنكرين لحشر الحيوانات
ولمنكري الحشر للحيوانات مناقشات حول ذلك نستعرض بعضاً منها:
المناقشة الأولى: يقولون: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ الحشر بمعنى الجمع يعني اليوم الذي تجمع فيه الوحوش من على وجه الأرض، إذاً فهذه أشارة فقط إلى أشراط الساعة، أو إنَّ ﴿إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾، المقصود منه هو إذا الناس حشروا بما أنَّ صفاتهم الباطنية هي صفات وحوش، فإنَّ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً، وهؤلاء يأتون بصورة الطباع والخصال التي في الحيوانات.
المناقشة الثانية: يقولون بالنسبة للروايات إنَّ هذه الروايات آحاد ولاتثبت بها عقيدة. فالعقائد إما أنْ تثبت بأدلة قطعية أو روايات متواترة أو دليل عقلي لامجال للمناقشة فيه.
المناقشة الثالثة: فيما يتعلق بالدليل العقلي يقولون: إنَّ الدليل العقلي على الحشر بالنسبة للحيوانات مقبول فيما لو كانت الحيوانات ذات عقل وإرادة واختيار، والقصاص إنما هو عقوبة على فعلٍ اختياري، وهذا لايكون من هذا القبيل.[١٣]
كيفية حشر الحيوانات
ولمعرفة كيفية الحشر للحيوانات يوم القيامة والفائدة من ذلك يقول: (صدر المتألهين الشيرازي) في كتابه «الشواهد الربوبية» حيث يقسم الحيوانات إلى نوعين:
- ذوات النفوس المتخيلة.
- ذوات النفوس الحاسة.
إنَّ مراحل المعرفة تبدأ أولاً بمرحلة الحس، ثم مرحلة التخيل، ثم مرحلة التجرد أو الكشف. فأبسط مراحل المعرفة وهو الحس يكون مشتركاً بين الإنسان وكثير من الحيوانات التي عندها حس فقط. وأما صدر المتألهين الشيرازي فيقول: بأنَّ بعض الحيوانات يشترك معها الإنسان في التخيل أيضاً ويمثل لذوات النفوس المتخيلة بالفيل والبقر والفرس والقرد و... وباعتبار أنها تملك حالة من التروي والشعور ونوعاً من الإدراك والإرادة والاختيار فلها حشر وثواب وعقاب..، والمجموعة الثانية مثل الديدان وسائر الحشرات باعتبار أنها لاتملك ذلك كله ولاتملك روحاً مجرداً ولاحشراً استقلالياً فلاعقاب ولاجزاء.
وأما العلامة الطباطبائي في الجزء السابع من تفسير الميزان يتناول تفسير سورة الأنعام يخص بحثاً يسميه كلام في المجتمعات الحيوانية. يقول: الإمعان في التفكر وفي تطور الحيوانات العجم التي تزامل الإنسان في كثير من شؤون الحياة وأحوال نوع منها في مسير حياتها وتعايشها، يدلنا هذا على أنَّ لها كالإنسان عقائد فردية واجتماعية تبني عليها حركاتها وسكناتها في ابتغاء البقاء، نظير ما يبني الإنسان تقلباته في أطوار الحياة الدنيا على سلسلة من العقائد والآراء. ثم يقول: بأنَّ العلماء الباحثين عن الحيوان ذكروا دقائق من الصنعة ولطائف من السنن والسياسات، لاتوجد نظائرها إلا في الأمم ذات الحضارات والمدنية من الإنسان...
- ومن الأسئلة التي تسأل: هل للحيوان حشر؟!
يقول العلامة الطباطبائي في الجواب على هذا السؤال: إنَّ دلالة الآيتين واضحة على أنَّ الوحوش تحشر، وهناك آيات كثيرة على أنه ليست الوحوش فقط التي تحشر، وإنما حتى الجمادات تعاد والسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجن والحجارة والأصنام وسائر الشركاء المعبودين من دون الله تبارك وتعالى يحشرون يوم القيامة ليكونوا أدوات للشهادة.
- هل يماثل حشر الحيوان حشر الإنسان؟
يقول العلامة الطباطبائي: إنَّ ذلك لازم الحشر بمعنى جمع الأفراد وسوقهم إلى أمر بالإزعاج، وأما مثل السماء والأرض وما يشابههما من شمس وقمر وحجارة فلم يطلق في موردها لفظ الحشر، بل يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [١٤]
إذن هناك عناية إنَّ الحشر يكون للإنسان والحيوان ومرجع الجميع أنَّ إنعام المحسن والانتقام من الظالم بظلمه، ولا يلزم من شمول الأخذ والانتقام يوم القيامة لسائر الحيوان أنْ يساوى الإنسان في الشعور والإرادة، ويرقي الحيوان إلى درجة الإنسان في نفسانيته وروحياته، لأنه يعلم أنَّ ذلك باطل بالضرورة. ومجرد الاشتراك في الأخذ والانتقام والحساب والأجر بين الإنسان وغيره لايقضي بالمعادلة والمساواة.
- هل يتلقى الحيوان تكليفاً في الدنيا برسول يبعث إليه؟ وهل هذا الرسول المبعوث نوع من الحيوانات أم لا؟
يقول العلامة الطباطبائي: في جواب السؤالين معاً: عالم الحيوان إلى هذا الحين مجهول لنا مضروب دونه حجاب، إذاً لا ضرورة لأنْ نشتغل بهذه الأبحاث. لا القرآن الكريم ولا النصوص التي بأيدينا تعرضت لبيان تفاصيل ذلك، وإنَّ الحيوان لم يؤت تفاصيل المعارف الإنسانية ولا كلف بدقائق التكاليف الإلهية التي كلف بها الإنسان[١٥]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ مريم: ٨٥.
- ↑ الإسراء: ۹۷.
- ↑ الحديد: ١٢–١٣
- ↑ الفرقان: ۲۷-۲۹
- ↑ النبأ: ۱۷-۱۸.
- ↑ النبأ: ۱۸
- ↑ السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٤-٣٠٦.
- ↑ السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٣١٢-٣١٤.
- ↑ الأنعام: ٣٨.
- ↑ التكوير: ٥.
- ↑ التكوير: ٥.
- ↑ السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٨-٣٠٩.
- ↑ السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية (كتاب)|العقائد الإسلامية، ص ٣٠٩-٣١٠.
- ↑ إبراهيم: ٤٨.
- ↑ السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٣١٠-٣١٢.