الأئمة الاثنا عشر في نهج البلاغة
التمهيد
قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾[١].
بعد ما أوردنا عن ادعاء أمیر المؤمنین (ع) للإمامة وإقامته الدليل والحجة وانتقاده لمن تصدى قبله للحكم، نتناول في هذا البحث ما ذكره أمیر المؤمنین (ع) حول الأئمة من أهل البيت (ع)، وهو يدور حول جهتین:
أولاً: التقاء النصوص العامة والخاصة في الأئمة (ع) وانطباقها عليهم
ونعني بذلك أن كل الأحاديث التي تدور في فلك الإمامة والمسلَّم بها والمقبولة عند كافة المسلمين جميعها تنطبق وتؤيد مقولة أهل البيت (ع) حول الإمامة، وهذا الانطباق دليل ومقياس لصحة المعتقد، أما الآراء الأخرى حول الإمامة من غیر طريق أهل البيت (ع) فإن الخلل فيها واضح والإشكالَ بینِّ ويلاحظ بُعْدُها عن هذه الأحاديث المسلَّم بها وعدم قدرتها على تفسیرها، فحينما نستعرض حديث (الثقلین) وحديث «اَلْأَئِمَّةُ اِثْنَا عَشَرَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»، أو «كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، كما بينا في البحث السابق [٢]، والروايات الأخرى كالتي جاءت في الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٥٠:
- «فى كُلِّ خَلَفٍ مِنْ أًمَّتى عُدُولٌ مِنْ أَهْلِ بَِيتِى يَنْفُونَ عَنْ هَذَا الدِّينِ تَحْرِيفَ الضَّالِّينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ أَلَا وَِإنّ أئِمَتَكًمْ وَفْدُكُمْ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَانْظُرُوا مَنْ تُوفِدُونَ»، وأحاديثَ أخرى كثیرة كحديث «سفينة نوح» و«باب حطة» يمكن مراجعتها مثلاً في المراجعة العاشرة من كتاب «المراجعات» للإمام شرف الدين، فحينما نستعرض هذه الأحاديث وكثیراً غيرها نجد أنها لا تنطبق إِلاَّ على مقولة أهل البيت (ع) حول الإمامة.
وهنا أمران آخران:
- الأمر الأول: أن هذه الروايات وهذا الموضوع الذي تتحدث عنه عاد محیرِّاً لعلماء السنة الذين وقفوا حائرين أمام هذه الروايات التي جاءت في صحاحهم وكتب الحديث عندهم، فهذا السيوطي وهو من أعلامهم المتبحرين في علم الحديث يلقي قولاً عجيباً بل مضحكاً في تحديد الأئمة الاثني عشر الذين يجدهم في أحاديث صحيحة كثیرة عندهم، فيقول إن هؤلاء الأئمة الاثني عشر هم الخلفاء الأربعة وخامساً معاوية وسادساً الحسن وسابعاً الزبیر وثامناً عمر بن عبد العزيز فهؤلاء ثمانية يمكن أن يضاف إليهم المهدي العباسي لأنه يشبه فيهم عمر بن عبد العزيز في الأمويین ويبقى منتظران آخران أحدهما المنتظر من آل محمد والمنتظر الآخر لم يذكره، ومع كل هذا التخبط والتجاوز واختيار حكام دون آخرين فإن العدد لم يكمل بعد، ولهذا عقَّب أبو رية ناقل الكلام بقوله رحم الله من قال إن السيوطي كحاطب ليل[٣]. وكذلك الفضل بن روزبهان في رده على العلامة الحلي كان على هذه الشاكلة[٤]، فهم يتخبطون في تعداد أسماء هؤلاء على مر التأريخ في حین أن الإمامية يأتون بأسماء الأئمة على نسق تأريخي صحيح وبصفاتهم المميزة التي اعرف لهم التأريخ بها وشهد بفضلهم كما أنهم يستندون إلى أدلة نقلية من الروايات الأخرى وأدلة عقلية جلية.
- الأمر الثاني: طريفة: يذكرها السيد عبد الله شبر[٥] وخلاصتها أن سلطاناً من ساطينهم بعد أن اطلع على هذه الأحاديث جمع علماء بلده وسألهم على من تنطبق هذه الروايات فإذا كان على كل أحد من قريش فالذين تصدوا منهم للحكم كثیرون، وإذا كان على مجموعة منهم فمن هي هذه المجموعة الخاصة المعينة، فاستمهلوه ١٠ أيام ثم بعد أن جمعهم غاب أحدهم وكان أبرزهم وأنبههم فلما طلب حضوره طلب منه الأمان أولاً ثم قال في جوابه إن هذه الروايات لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية، ولكنا نقول إنها أخبار آحاد لا تُثبتُ علماً ولا حجةً، فقنع منه وقبل قوله. ويعقِّب السيد عبد الله شبر أن هذه روايات صحيحة ومتواترة وبعيدة تماماً عن إطار أخبار الآحاد فلا يصح الحكم عليها بهذا الحكم.
إذن فالنقطة الأولى هي انطباق أحاديث الإمامة على نظرية أهل البيت فقط ووضوح مصداق الأئمة الاثني عشر في أئمتهم (ع) مما يدلل على صحة المعتقد وقوته.[٦]
ثانياً: نص الوصي
وهذا مطلب مهم يعتمد على ما قُرِّرَ من أن الإمام يكون بالنص عليه إما من قِبَلِ الرسول أو من قِبَلِ الإمام الذي يسبقه، وحيث أن الإمام السابق معلومة إمامته مُصَدَّقٌ في قوله فيكون نصُّهُ على من يليه صحيحاً مثبتاً للإمامة، وقد بيَّنا فيما سبق أن النص الأول هو في الأساس من قِبَلِ الله تعالى وليس تبرعاً أو تكلفاً من عند الرسول أو الإمام، فنصوص أمیر المؤمنین (ع) حول الإمامة هي بأمر الله تعالى على لسان نبيه (صَلّی اللهً علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ).
ولو أردنا أن نصنف هذه النصوص على الإمام لوجدنا أنها صنفان أساسان:
- النصوص العامة: وهي التي تحمل امتياز أهل البيت (ع) على من سواهم وأهليتهم للإمامة بمؤهات العلم وجامعية المعرفة والإحاطة بكتاب الله تعالى وأنهم لا يقاس بهم أحد في فضيلة وبهم استقام الدين.
- النصوص الخاصة: كذكره الإمامن الحسن والحسین (علیهما السّلام) أو حديثه عن الإمام المهدي (ع)، وأما بقية الأئمة فلم يرد ذكرهم فيما بین يدينا من نهج البلاغة وإن كانوا قد ذُكِروا بأسائهم في أحاديث عن النبي (صَلّی اللهً علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إلا أن مجال درسنا هو فلك نهج البلاغة.[٧]
نماذج من النصوص العامة
- ١. قال (ع)[٨]:
- «هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ»: فأهل البيت (ع) هم لجأ (ماذ) أمر الله تعالى وعيبة (وعاء) علمه وهم كهوف كتبه المنزلة على الأنبياء أي أنهم يحيطون بالتوراة والإنجيل والزبور والصحف التي أنزلت على إبراهيم وغیره من الأنبياء (ع) بالإضافة إلى إحاطتهم بكتاب الله القرآن الكريم وهذه دعوى كبیرة لا تتم لأحد غيرهم.
- «بِهِمْ أَقَامَ اِنْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ اِرْتِعَادَ فَرَائِصِهِ»: فحينما يتولى أمر الدين غيرهم ينحني أمره وترتعد فرائصه أما هم فإنهم مصدر قوته وأمانه.
- ٢. وحبًّا وحرصاً على هداية الأمة أكَّد (ع)[٩]:
- «اُنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاِتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ، فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا»: وهذا الأمر بالاتباع المطلق ليس دعوةً للتقليد الأعمى بل للتقليد الأهدى، وهو مُعَلَّلٌ بأنهم يقودون إلى الهدى ويُبعدون عن الضلال والردى وهم محل ثقة الله ومصاديق العصمة والهداية.
- ٣. ويقرر (ع) هذه الحقيقة بقوله[١٠]:
- «أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَثَلِ نُجُومِ اَلسَّمَاءِ إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اَللَّهِ فِيكُمُ اَلصَّنَائِعُ وَأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ»: ففي كل فترة إمام من آل محمد قائم بأمر الدين، وهذا ضمان وأمان للناس من الضلال، وقد علمنا أن التعبیر بآل محمد أو العترة أو أهل البيت لا يُقصَدُ به عموم السادة -ممن له شرف الانتساب- بل يقصد به تلك المجموعة الخاصة المباركة المتمثلة في الأئمة (ع)، ولعل آخر الكلام إشارة إلى الإمام المهدي (ع) لأن به كمال النعمة وتحقق آمال المؤمنین بإقامة العدل وإبادة الظلم.
- ٤. ويكرر الإمام (ع) هذه الحقيقة بأسلوب آخر بقوله[١١]:
- «نَحْنُ شَجَرَةُ اَلنُّبُوَّةِ وَمَحَطُّ اَلرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفُ اَلْمَلاَئِكَةِ وَيَنَابِيعُ اَلْحِكْمَةِ وَمَعَادِنُ اَلْعِلْمِ، نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ اَلرَّحْمَةَ وَعَدُوُّنَا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ اَلسَّطْوَةَ»: فقد أوضح هنا المؤهات التي ميزت أهل البيت (ع) وأهَّلَتْهم للإمامة من كون الملائكة تتنزل في بيوتهم فهم أصل الدعوة، ومن كونهم أصحاب العلم لايجاريهم فيه أحد، ثم بینَّ (ع) وجوب اتباعهم وأهمية ذلك وأن ناصرهم موضع للرحمة في الدنيا والآخرة وعدوهم موضع للعذاب في الدنيا والآخرة.
- ٥. وقال(ع)[١٢]:
- «فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً...»: فهنا يذكر الإمام هذه الأصول المهمة: التوحيد والنبوة والإمامة وأن العارف بها يرتقي إلى مرتبة الشهيد ولو مات على فراشه، وما ذاك إلا لجلال مقام هذه الأصول التي منها الإمامة. وهذا النص ينسجم مع رواية يرويها الجميع:
- «مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً»[١٣].
- ٦. وفي حديث إلى كميل بن زياد (رضی الله عنه) قال (ع)[١٤]:
- «اَللَّهُمَّ بَلَى لاَ تَخْلُو اَلْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَجِهِ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً...»: وهذه إشارة واضحة إلى الإمام المهدي (ع) لأنه هو الإمام المغَيَّب، وهذا ينسجم مع المعتقد الحق وسیرة الأئمة من تعاقبهم على أمر الدين ووجودهم في كل فترة. ولا يخفى أن هذه النصوص المتقدمة صادرة عن مصدر مسؤول، قوله حجة وتبليغه هو من عند الله تعالى.[١٥]
نماذج من النصوص الخاصة
- ١. قال (ع)[١٦]:
- « فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ وَاَلْأَعْلاَمُ قَائِمَةٌ وَاَلْآيَاتُ وَاضِحَةٌ ... وَ بَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَ هُمْ أَزِمَّةُ اَلْحَقِّ وَأَعْلاَمُ اَلدِّينِ وَأَلْسِنَةُ اَلصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ اَلْقُرْآنِ وَرِدُوهُمْ وُرُودَ اَلْهِيمِ اَلْعِطَاشِ ...أَ لَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ اَلْأَكْبَرِ وَأَتْرُكْ فِيكُمُ اَلثَّقَلَ اَلْأَصْغَرَ». وهذا النص ينسجم مع حديث الثقلین «كتاب الله وعترة رسوله» فكان يجب على الناس أن يتبعوا العترة كما يتبعون القرآن وأن يعطوا القرآن والعترة حقيهما من الالتزام بهما وأن يأتوا العترة برغبة وشوق كما تأتي الإبل العطاش إلى الماء.
- ٢. وفي كتاب جواباً إلى معاوية، قال(ع)[١٧]:
- «وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ اَلنَّارِ ...»: فهذه إيماءة إِنْ لم تكن نصًّا صريحاً على إمامة الحسن والحسن (علیهما السّلام) اللذين قال فيهما رسول الله (صَلّی اللهً علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ):
- «اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ»، لأن هذه السيادة لا تتأتى إلا للكامل في جميع الصفات والأخلاق والملكات وهذه هي العصمة التي هي شرط للإمامة.
- ٣. وفي ما استدركه ابن أبي الحديد على النهج[١٨] قوله (ع):
- «اللهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ فَإِنَّهُم أضمَروا لِرَسولِكَ صَلّی اللهً علیهِ وَآلِهِ ضُروبا مِنَ الشَّرِّ وَالغَدرِ، فَعَجَزوا عَنها، وحُلتَ بَينَهُم وبَينَها، فَكانَتِ الوَجبَةُ بي، وَالدّائِرَةُ عَلَيَّ»: فهو يسأل الله تعالى أن يأخذ له بحقه من قريش لأن البلاء منهم كان خاصة عليه، وعليه وقعت المحنة فكانت مظلوميته أشد وأعظم.
- « اللّهُمَّ احْفَظ حَسَناً وَحُسَيناً وَلًَا تُمَكِّن فَجَرَةَ قُرَيشٍ مِنهُما مَا دُمتُ حَيَّا»: فإن الحفظ والسلامة يراد لكل العترة بل لكل المسلمين ولكن تخصيص الحسن والحسین بهذا الأمر إنا كان لمقامهما من الإمامة.
- ٤. وفيما ذكره حول الإمام المهدي (ع) قوله[١٩]:
- «يَعْطِفُ اَلْهَوَى عَلَى اَلْهُدَى إِذَا عَطَفُوا اَلْهُدَى عَلَى اَلْهَوَى وَيَعْطِفُ اَلرَّأْيَ عَلَى اَلْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا اَلْقُرْآنَ عَلَى اَلرَّأْيِ ... وَ تُخْرِجُ لَهُ اَلْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ اَلسِّيرَةِ وَيُحْيِي مَيِّتَ اَلْكِتَابِ وَاَلسُّنَّةِ»: وهذا النص هو من أخبار الملاحم وهي قضايا من عالم الغيب يخبرِ بها الإمام قبل وقوعها فتقع بعد حین كما أخبر بها. وهو يشیر هنا إلى تبدل مقاييس الناس فحينما يريدون أن يكون الهدى تابعاً للهوى يأتي من يجعل الهوى والميل إلى الهدى، وحينما يريدون أن يجعلوا القرآن حسب آرائهم يأتي من يجعل آراءهم حسب القرآن، وتخرج له الأرض خيراتها فیرُي الناس العدل العظيم، ويحيي ما اندثر من تعاليم الكتاب والسنة وأضاعه الناس.
- ٥. وتحدَّث عن بعض بركات الإمام المهدي (ع) قائلاً:
- «لَتَعْطِفَنَّ اَلدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ اَلضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وَ تَلاَ عَقِيبَ ذَلِكَ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[٢٠]». والآية التي تلاها الإمام فُسرِّتْ في المهدي (ع) فإن الدنيا منعت أهل البيت (ع) من خيرها، وظَلَمَهم أهلُها واستضعفوهم ولم يتغیر هذا الظلم بعدُ، فهي إشارة إلى رجوع الحق إلى أهله بظهور المهدي (ع) الذي يرث الأرض وتهب له خيراتها فيتحقق نصرُ المستضعَفين وسعادتهم.
- ٦. وقال (ع)[٢١]:
- «قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا ... فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اِغْتَرَبَ اَلْإِسْلاَمُ وَضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ وَأَلْصَقَ اَلْأَرْضَ بِجِرَانِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ خَلاَئِفِ أَنْبِيَائِهِ». فهذه إشارة إلى ما يؤول إليه أمر الدين من ضعف وهوان وغربة حتى يأتي من يعيد له قوته وعزته وهو البقية والحجة المهدي (ع).
وقد لاحظت في الشروح كشرح ابن أبي الحديد أنه يفسر هذه النصوص بأنها تعني المهدي (ع) ويقول إن مقالة الإمامية تعني إماماً حاضراً ومقالتهم هم تعني إماماً سيولد بعد ذلك، فالجميع إذن متفق أن هذه النصوص تشیر إلى قضية المهدي (ع) مع اختلاف المنهجین.
وقد عُدَّتْ أحاديث الإمامة بشكل عام والصادرة عن رسول الله (صَلّی اللهً علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بأنها من الإنباء بالغيب لأنه تحدث عن أئمة بأسمائهم وتسلسلهم قبل أن يولدوا بعد وقد دُوِّنت هذه الأحاديث عند الجميع قبل ميلاد جملة من الأئمة وكان الناس على علم بها، ثم تتحقق الأحاديث كما تحدث بها الرسول فيولد الأئمة ويتصدون للإمامة ويكون لهم ذلك الوجود البارز والامتياز الخاص على أهل زمانهم، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾[٢٢].[٢٣]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٧١.
- ↑ كتاب العقائد من نهج البلاغة لمؤلف محسن علي المعلم، درس (الإمامة والنص).
- ↑ نقل ذلك السيد محمد تقي الحكيم (رحمه الله) في كتابه (الأصول العامة للفقه المقارن)/ ١٨٠،نقلاً عن، أبي ريَّة في كتابه (أضواء على السنة المحمدية) ص ٢١٢
- ↑ كما في «دلائل الصدق» للشيخ محمد حسن المظفر ٢/ ٣١٥، وتجدر مراجعة ص ٣١٤ إلى ص ٣١٩ ..فقد ألَّفَ العلامة الحلي كتابه (كشف الحق) وردَّ عليه ابن روزبهان بكتابه (إبطال الباطل) فرد القاضي نور الله على ابن روزبهان بكتابه (إحقاق الحق) وانتصر الشيخ المظفر للعلامة بِ (دلائل الصدق).
- ↑ في كتابه (حق اليقين) ١/ ٢٠٢ .
- ↑ محسن علي المعلم، العقائد من نهج البلاغة، ص٣١٥-٣١٨.
- ↑ محسن علي المعلم، العقائد من نهج البلاغة، ص٣١٨.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ٢.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ٩٧.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٠٠.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٠٩.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٩٠.
- ↑ ينابيع المودة ٢/ ٣٣٣، وتفسير الرازي ٢٧ / ١٦٥، وغيرها.
- ↑ نهج البلاغة، الحكمة رقم ١٤٧.
- ↑ محسن علي المعلم، العقائد من نهج البلاغة، ص٣١٨-٣٢١.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ٨٧.
- ↑ نهج البلاغة، الكتاب رقم ٢٨.
- ↑ في شرحه للنهج ٢٠ / ٢٩٨، الكلمة رقم ٤١٣.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٣٨.
- ↑ سورة القصص، الآية ٥.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٨٢.
- ↑ سورة النساء، الآية ٨٢.
- ↑ محسن علي المعلم، العقائد من نهج البلاغة، ص٣٢١-٣٢٤.