فاطمة المعصومة

من إمامةبيديا

السيدة المعصومةعلیها السلام في حديث الأئمة المعصومين علیهم السلام

تمهيـد

لقد احتلّت شخصيّاتٌ من أبناء الأئمّة المعصومين(ع) اهتماماً واسعاً مِنْ قِبَلِ أئمّةِ الدّين والهُدى (صلوات الله عليهم أجمعين)، وأكّدت الخطابات والأحاديث المعصوميّة على مقاماتهم وشأنهم وما بلغوهُ من السّموّ والرّفعة، والقُرب مِنْ ساحةِ القُدسِ الإلهيّ.

وإنّنا بعدَ إيماننـا واعتقادنا بعصمةِ النبيّ الأعظم محمّد بن عبد الله(ص) وعصمةِ الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين)، نؤمِن أنّ ما يَصدُرُ عنهم إنّما هو حقٌ من عندِ الله تبارك وتعالى، ولا يَصدرُ عنهم مِنْ دافع العاطفة أو مِن دافع المجاملة، عندما يؤكّدون(ع) على شخصيّة قريبةٍ منهم نسباً أو بعيدةٍ عنهم من جهة الرّابط النّسبيّ، وما يتحدّثون به إلّا من جهةِ كونهِ حقيقة لا لَبْسَ فيها.

فهذا كتاب الله العظيم القرآن الكريم يؤكّد على ما يصدُرُ من خاتَمِ الأنبياء محمّد بن عبد الله(ص) على أنَّهُ وحيٌ من عند اللهِ في قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[١]، وبيانه: أنّ القُرآن الكريم إذا كانَّ حُجّةً لكونه وحياً إلهيّاً، فيلزم أنّ كلّ ما يقوله النّبيّ(ص) حجّة أيضاً؛ لكونه وحياً إلهيّاً.

وكذلك نجدُ أنَّ القُرآن الكريم يؤكّد على الأخذ بكلّ ما جاء به النّبيّ(ص)، في قوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[٢]، فالقرآن الكريم يأمُرُنا بالالتزام بكلّ تعليمٍ يصدُرُ عن الرّسول(ص).

ولذا نقولُ: إنّ ما جاء في الأحاديث النّبويّة الشّريفة من التّأكيد على فضل أمير المؤمنين(ع) وإمامته، وفضل الصّدّيقة الزّهراء فاطمة(ع)، لم يكن بدافع القُرب النّسبيّ لكون أمير المؤمنين(ع) اِبن عمّ رسول الله(ص)، بل لأنَّهُ هو المستحقّ للإمامة بأمرِ الله، وليس بدافع كون الصّدّيقة الزّهراء(ع) هيَ ابنتُهُ، كما يدّعي ذلك بعض المرجفين والمشكّكين، في كثرة الأحاديث الواردة في فضل الصّدّيقة الزّهراء(ع) بأنّ ظاهرة كثرة الأحاديث النّبويّة في فضل الزّهراء(ع) بأنّها تمثّل موجاً عاطفيّاً مِن والدٍ إلى ابنته، ومثل هذه الدّعاوى تجعل القائِل بها يُخرج النّبيّ الأعظم(ص) عن حدود العصمة الثّابتة له، بالأدلّة العقليّة والنّقليّة المستفيضة في جميع أبعاد شخصيّته، في كلّ أقواله وأفعاله، فلو لم يكن(ص) بعيداً كُلَّ البُعدِ عن العاطفة في أقواله المباركة وفي كافّة أفعاله لما ألزمنا الله سبحانه وتعالى باتّباعه بشكلٍ مُطلقٍ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ[٣]، فلذا فإنَّ ما صدر عن رسولِ اللهِ(ص) في فضلِ البضعة الزّهراء(ع) ليس من جهةِ أنَّهُ والدها ويُحبّها حبّ الأب لابنته، بل لما بلغتهُ من القُربِ للهِ (تبارك وتعالى) حقيقةً، وأنَّ الله هو الّذي أعلى شأنها، ويمكن القول: إنّ هذه الأحاديث الشّريفة كانت شرحاً لكثيرٍ من الآيات الّتي نزلت تبياناً لعظمتها ورفعتها وسموّ مقامها، من قبيل قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[٤]، وقوله تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[٥].

وكذلك أئمّةُ الدّين(ع) عندما يصدُر منهم مَدحٌ لشخصيّة مِن الشّخصيّات، لا يكون ذلك من باب العاطفة، لمَا ثبتَ في محلِّه مِنْ أنَّهم معصومون، وأنَّ ما يصدر عنَّهم يجبُ التّسليم لهُ والطّاعة، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[٦]، ولقد وردت نصوصٌ كثيرة عن النّبيّ (ص) تثبتُ ذلك، كحديث الثّقلين: عن زيد بن أرقم قال: ثم قال: قام رسول الله (ص) يوماً خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثمّ قال: « أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ، فيه الهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به، فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: وَأَهْلُ بَيْتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي ...» [٧]، وهو نصٌّ واضحٌ في العصمة، وأنَّ أهل البيت (ع) معصومون كما هو شأن القرآن في العصمة، ومن تلك النّصوص: قوله(ص): « مَن سَرَّه أن يَحيا حياتي، ويموتَ مماتي، ويسكنَ جنةَ عَدْنٍ غَرَسَها، ربي فَلْيُوالِ عَلِيًّا من بعدي، ولْيُوالِ ولِيَّهُ، ولْيَقْتَدِ بالأئمةِ من بعدي، فإنهم عِتْرَتِي خُلِقُوا من طينتي، رُزِقوا فَهْمًا وعِلمًا، وويلٌ للمكذبين بفضلِهم من أمتي، القاطعين فيهم صِلَتِي، لا أنالَهم اللهُ شفاعتي». [٨]

وقد ورد من طُرقنا نحن الشّيعة الإماميّة عن الأئمّة (ع) كما في الكافي الشّريف: عن الإمام الصّادق (ع) أنَّهُ قال: «نَحْنُ قَوْمٌ مَعْصُومُونَ أَمَرَ اَللَّهُ بِطَاعَتِنَا، وَ نَهَى عَنْ مَعْصِيَتِنَا» [٩]، فهذه الرّواياتُ الشّريفة تُثبتُ لنا أنَّهم (ع) عندما يمتدحون شخصيّةً من الشّخصيّات، قريبةً نسباً بهم أم لا، إنّما لِما لها مِن الشّأن عند الله (عزَّ وجل).

ومن تلك الشّخصيّات الممدوحة على لسان النّبيّ (ص) وأئمّة أهل البيت (ع)، ممّن ليس لهُ قُربٌ نسبيٌّ معهم، كمثل الصحابيّ الجليل سلمان المحمّديّ، فقد وردت رواياتٌ عديدة تُبيّن أنّ سلمان قد وصل إلى الدّرجة العالية الرّفيعة بالعلم والمعرفة، فعن أبي جعفر (ع): «... وَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ إِنَّمَا عَنَى بِمَعْرِفَتِنَا وَإِقْرَارِهِ بِوَلاَيَتِنَا » [١٠]، فهو مِنْ أهل البيت (ع) باتّباعه الخالص الصّادق للنّبيّ المصطفى (ص) وأهل البيت(ع) وولائه لهم، كما قال إبراهيم (ع) فيما حكاه الله تعالى من قوله: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي[١١]، وما روي عن رسول الله (ص) أنَّه قال: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ ».[١٢]

وكذلك ما ورد في شأن تلميذ الإمامين الباقر والصّادق الفقيه المتكلّم زرارة بن أعين الّذي هو مِنْ أصحاب الإجماع، ومن رواة الحديث في القرن الثّاني الهجريّ، فقد وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت (ع) في مدحه، فقد ورد في الكشّي في ترجمة زرارة، في صحيحة عبد اللّه بن زرارة، أنّ أبا عبد اللّه(ع) قال له: «اِقْرَأْ مِنِّي عَلَى وَالِدِكَ اَلسَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ إِنِّي أَعِيبُكَ دِفَاعاً مِنِّي عَنْكَ فَإِنَّ اَلنَّاسَ وَاَلْعَدُوَّ يُسَارِعُونَ إِلَى كُلِّ مَنْ قَرَّبْنَاهُ وَحَمِدْنَا مَكَانَهُ لِإِدْخَالِ اَلْأَذَى فِيمَنْ نُحِبُّهُ وَنُقَرِّبُهُ وَيَذُمُّونَهُ لِمَحَبَّتِنَا لَهُ وَقُرْبِهِ وَدُنُوِّهِ مِنَّا وَيَرَوْنَ إِدْخَالَ اَلْأَذَى عَلَيْهِ وَقَتْلَهُ وَيَحْمَدُونَ كُلَّ مَنْ عَيَّبْنَاهُ نَحْنُ وَإِنْ يُحْمَدُ أَمْرُهُ فَإِنَّمَا أَعِيبُكَ لِأَنَّكَ رَجُلٌ اِشْتَهَرْتَ بِنَا وَبِمَيْلِكَ إِلَيْنَا وَأَنْتَ فِي ذَلِكَ مَذْمُومٌ عِنْدَ اَلنَّاسِ غَيْرُ مَحْمُودِ اَلْأَثَرِ بِمَوَدَّتِكَ لَنَا وَلِمَيْلِكَ إِلَيْنَا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعِيبَكَ لِيَحْمَدُوا أَمْرَكَ فِي اَلدِّينِ بِعَيْبِكَ وَنَقْصِكَ وَيَكُونَ بِذَلِكَ مِنَّا دَفْعُ شَرِّهِمْ عَنْكَ يَقُولُ اَللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا[١٣] هَذَا اَلتَّنْزِيلُ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ صَالِحَةٌ لاَ وَاَللَّهِ مَا عَابَهَا إِلاَّ لِكَيْ تَسْلَمَ مِنَ اَلْمَلِكِ وَلاَ تَعْطَبَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَقَدْ كَانَتْ صَالِحَةً لَيْسَ لِلْعَيْبِ فِيهَا مَسَاغٌ وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ فَافْهَمِ اَلْمَثَلَ يَرْحَمُكَ اَللَّهُ فَإِنَّكَ وَاَللَّهِ أَحَبُّ اَلنَّاسِ إِلَيَّ وَأَحَبُّ أَصْحَابِ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَيّاً وَمَيِّتاً فَإِنَّكَ أَفْضَلُ سُفُنِ ذَلِكَ اَلْبَحْرِ اَلْقَمْقَامِ اَلزَّاخِرِ وَإِنَّ مِنْ وَرَائِكَ مَلِكاً ظَلُوماً غَصُوباً يَرْقُبُ عُبُورَ كُلِّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ تَرِدُ مِنْ بَحْرِ اَلْهُدَى لِيَأْخُذَهَا غَصْباً ثُمَّ يَغْصِبَهَا وَأَهْلَهَا وَرَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْكَ حَيّاً وَرَحْمَتُهُ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْكَ مَيِّتاً»[١٤]، فمثل هذا المدح والثّناء الكبير على الفقيه الجليل زرارة بن أعين اتّخذه علماء علم الرّجال دليلًا على وثاقته، فقد وثقهُ كلُّ مَنْ ترجم له، ومثل هذا البحث راجعٌ لمحلّه في علم الرّجال في نصِّ أحد المعصومين على وثاقة الرّجل، في باب التّوثيقات الخاصّة، فراجع.

كذلك، فإنَّ هناك شخصيّات عديدة من أبناء الأئمّة المعصومين (ع) قد أشارت لشأنهم رواياتٌ كثيرة، كشخصيّة أبي الفضل العبّاس (ع)، الّتي احتلتْ اهتماماً واسعاً من قِبَلِ الأئمّة (ع)؛ لأهمّيّة القضيّة الحسينيّة المباركة، الّتي كان العبّاس (ع) أحد أقطابها المهمّين ورجالاتها العظماء البارزين، وكان الدّور الّذي يتحمّله قمر بني هاشم في هذه القضيّة إحدى الملاحم المهمّة، الّذي حدى بأَئِمَّةَ الهدى (ع) أن يجعلوه من أهمّ الشّخصيّات البارزة في سيرتهم ومشروعهم الرّساليّ، لذا أضحت شخصيّة العبّاس (ع) من أهمّ دواعي الاعتزاز الّتي يفخر بها المخلصون الأوفياء، الّذين يبحثون على القدوة الصّالحة المُرشدة للالتزام بخطّ الإمام المعصوم (ع)، فقد وَرَدَ كثيرٌ في مدحه والثّناء عليه بلسان الأئمّة المعصومين (ع)، وقد رويَ عن أبي عبدالله الصّادق(ع) أنَّهُ قال: « كَانَ عَمِّنَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيٍّ نَافِذُ الْبَصِيرَةِ، صُلْبِ الْإِيمَانِ، جَاهَدَ مَعَ أَبِي عبدالله(ع) وَأَبْلَى بَلاءً حَسَناً وَمَضَى شَهِيداً »[١٥]، وللمتأمّل في ما ورد في الزّيارة المعتبرة عن الإمام الصّادق (ع) لعمّه أبي الفضل العبّاس (ع) الدّليل الدّامغ على ما بلغه أبي الفضل (ع) مِن مقامٍ وشأن عظيم عند الله، {{نص حديث|السلام عليك أيّها العبدُ الصّالح المطيعُ للهِ ولِرَسولِهِ ولأميرِ المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم [١٦]

في رحاب السّيّدة المعصومة (ع)

ومن تلك الشّخصيّات المُباركة الّتي اِحتلت مكانةً ساميةً رفيعةً في خطابات الأئمّة الطّاهرين (ع) هي: بنتُ الإمامِ وأُختُ الإمامِ وعمّةُ الإمام، بضعةُ الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) السّيّدةُ الجليلة فاطمة المعصومة (ع).

فإنَّ المُتأمّل في تلك الرّوايات الشّريفة التي وردت عن أئمة أهل البيت (ع) في شأنها، يكونُ أمامَ حقيقةٍ واضحة، في بيانِ جلالةِ قدرها، وشموخ مَقامِها العظيم، وأنَّها (ع) قد بلغت درجاتٍ عالية في مدارج الكمال والفضل، وأنَّها عالمةٌ فاضلة، وكيف لا تكون كذلك وهي نُخبة البيتِ الموسويّ، وقد ذَكَرَ سماحة آية الله السّيّد عادل العلويّ، في حديثه عن السّيّدة المعصومة(ع): أنَّها "اشتهرت بالعصمة الأفعاليّة كعمّتها زينب الكبرى" [١٧]

مِنْ سُلالة النّبوة والإمامة، ومِنْ شخصيّات أهلِ بيتِ العصمة والطّهارة الّذين أذهب اللهُ عنهُمُ الرِّجس وطهّرهم تطهيراً، السّيّدة الجليلة فاطمة المعصومة بنتُ الإمام موسى بن جعفر الكاظم، وهي من السّلالة الطّاهرة الزّكيّة، وُلِدَتْ (ع) في المدينة المنوّرة في غرّة شهر ذي القعدة من سنة ١٧٣هـ.[١٨]، وقد ترعرعت هذه السّيّدة الفاضلة في بيت أبيها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، فورثت نور أهل بيت العصمة والطّهارة، وقد أخذتْ مِنْ هديهم وعلومهم.

وإنَّ نسبها الشّامخ أحدُ الأدلّة على طهارتها وعظمتها وعلوّها في سماء المجد، فهي بنتُ الإمامِ الصّابرِ والعبدِ الصّالحِ، الّذي مثلُهُ كَمَثَلِ الشمسِ في كبدِ السّماء (وصيُّ الأبرار، وإمامُ الأخيار، وعَيْبَةُ الأنوار، ووارث السّكينةِ والوقارِ والحِكَمِ والآثار) [١٩]، وأخوها هو الإمامُ الثّامن من أئِمَّةِ أهلِ البيتِ (ع)، الإمام علي بن موسى الرّضا (ع)، الّذي قال فيه أبوهُ الإمام الكاظم (ع): « هَذَا أَخُوكُمْ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عَالِمُ آلِ مُحَمَّدٍ» [٢٠]، وقد كانتْ السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) أُختاً للإمام الرّضا (ع) مِنْ أُمّهِ، فأُمُّهُمَا واحدة[٢١]، وهي: السّيّدة تُكْتَم (ع)، ولها أسماء أُخرى، منها: نجمة، أروى، سُمان، سكن أو سُكنى[٢٢]، وتُكْتَم هو ما استقرّ عليها اسمها حين ملكها الإمام الكاظم (ع)، فلمّا وَلَدَتْ الإمام الرّضا(ع) أسماها بالطّاهرة، وكانت تكنّى بـ: أُمّ البنين[٢٣].

فإنّ نسبَها الكريم، بيانٌ لمّا كانَّتْ فيه مِنْ موقِعِ الشّرف العظيم، والانتساب للدّوحة الطّاهرةِ من أهل البيت (ع)، وقد ورد في المصادر والنّصوص الدّينيّة أنّه لم يبلغ أحد من أبناء الإمام الكاظم (ع) مع كثرتهم – باستثناء الإمام الرّضا (ع)- ما بلغته السّيّدة المعصومة (ع) مِنْ مَنزِلَةٍ ومَكانَةٍ مرموقةٍ[٢٤]، وقد صرّح المحدّث الشّيخ عبّاس القُمّي بأنَّ: "أفضل بنات الإمام الكاظم (ع) السّيّدة الجليلة المعظّمة فاطمة والشّهيرة بالمعصومة"[٢٥]

حيثُ إنَّ بحثنا تحت عنوان "السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) في حديث الأئمّة المعصومين (ع)"، فإنَّنَا نُريدُ التّعرُّف على هذه السّيّدة الجليلة العظيمة، كما عرَّفها الإمامُ المعصومُ والحُجّةُ الإلهيّةُ على خلقه، ويمكن القول بأنّ الرّوايات الواردة في شأنها على أقسامٍ ثلاثة:

  1. ما وَرَدَ في شأنها قَبْلَ وِلادَتِها (ع).
  2. ما وَرَدَ في شأنها أيّامَ حياتها (ع).
  3. ما وَرَدَ في شأنها بَعْدَ رَحِيلها (ع).

فإنَّ هذه الأقسام والأنحاء الثّلاثة تعطي مدلولاتٍ عديدة في بيانِ رِفْعَةِ شأنها وعلوّ مَقامها، فأيُّ عظمةٍ بَلَغَتْها سيّدتُنا الطّاهرةُ المعصومة (ع)، حتّى أصبَحتْ لها هذِه الحَبوة والرّعاية، والإِلفاتُ مِنَ المعصومين(ع) والتّأكيدُ منهُم على فضلِها قَبْلَ أن تُولَدَ، وفي أيّامِ حياتِها، وبعد رحيلها (ع).

وهذه الأنحاء والأقسام الثّلاثة في الرّواياتِ الشّريفة سوفَ تَتَضِحُ تِبَاعاً، إذ إنَّنَا نريدُ تبيان مقام السّيّدة المعصومة (ع) بَحَسَبِ ما وَرَدَ على لسان كلِّ معصوم على حِدَة. فقد تحدّث عن شأنها وخُصَّت (ع) بالحديث على لِسان أربعةٍ من المعصومين(ع)، فقد وردت الرّوايات في حقّها وفضلها على لسان الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (ع)، والإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، والإمام علي بن موسى الرّضا (ع)، والإمام محمّد بن علي الجواد (ع).

السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) في كلام الإمام الصّادق (ع)

خصَّ الإمامُ أبوعبدالله الصّادق(ع) حفيدته الطّاهرة السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) بعددٍ من الرّوايات الواردة عنه، والواصلة إلينا، والّتي تبيِّنُ عَظَمَةَ مقامها، ورفعتها، وسموّ مكانتها. ومن تلك الرّوايات:

١. ما رويَّ عن أبي عبد الله الصّادق (ع) أنَّهُ قال: « إِنَّ لِلَّهِ حَرَماً وَ هُوَ مَكَّةُ وَ إِنَّ لِلرَّسُولِ حَرَماً وَ هُوَ اَلْمَدِينَةُ وَ إِنَّ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ حَرَماً وَ هُوَ اَلْكُوفَةُ وَ إِنَّ لَنَا حَرَماً وَ هُوَ بَلْدَةُ قُمَّ وَ سَتُدْفَنُ فِيهَا اِمْرَأَةٌ مِنْ أَوْلاَدِي تُسَمَّى فَاطِمَةَ فَمَنْ زَارَهَا وَجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ »[٢٦] ومقاربٌ لهذه الرّواية الشّريفة أيضاً ما جاءَ عن تاريخ قم للحسين بن محمّد القمّيّ.

٢. بإسناده عن الإِمام الصّادق (ع) أنَّهُ قال: «إِنَّ لِلَّهِ حَرَماً وَ هُوَ مَكَّةُ وَ لِرَسُولِهِ حَرَماً وَ هُوَ اَلْمَدِينَةُ وَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ حَرَماً وَ هُوَ اَلْكُوفَةُ وَ لَنَا حَرَماً وَ هُوَ قُمُّ وَ سَتُدْفَنُ فِيهِ اِمْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي تُسَمَّى فَاطِمَةَ مَنْ زَارَهَا وَجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَلِكَ وَ لَمْ تَحْمِلْ بِمُوسَى أُمُّهُ » [٢٧]

وهذه الرّاوية مِنَ الرّوايات الّتي ينبغي التّأمّل فيها، ومعرفة خصوصيّات هذه السّيّدة الجليلة العظيمة (ع)، ومِنَ الأمور المهمّة هو الالتفاتُ لحديثِ الإمام الصّادق (ع) على أنَّه قَدْ بَشَّرَ وأَخبَرَ بولادةِ حفيدته الميمونة، وهذه من الرّوايات الوارِدَة في حقّها قبل ولادَتها، حيثُ ذَكَرَ الرّاوي: "قال (ع) ذلك ولم تحمل بموسى أُمُّه"، وهذا أمرٌ خصَّ اللهُ بِهِ المعصومين (ع)، وهذا البحث موكلٌ إلى مَحلهِ في علم الكلام في بابِ علمِ الإمام(ع)؛ فإنَّ الإخبارَ مِنَ المعصومِ (ع) عنها (ع) قَبْلَ ولادتها هو إِلفاتٌ مِنَ المعصوم (ع) للنّاسِ بالخصوصيّة والشّأن الّذي إليها.

وكذلك إخبارُ الإمامُ (ع) عَنْ اسمها الشّريف المُبارك، فإنَّها سَميَّةُ جدَّتها الصّديقة الشّهيدة أُمُّ أبيها وسيّدة نساء العالمين السّيّدة فاطمة الزّهراء (ع)، هذا الاسمُ المُبارك الّذي أوحى الله إلى مَلَكٍ مِنَ الملائِكة، فأنطق به لسان النّبيّ المُصطفى محمّد(ص)، ففي علل الشّرائِع: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك عن أبي جعفر (ع) قال: «لَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ أَوْحَى اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مَلَكٍ فَأَنْطَقَ بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي فَطَمْتُكِ بِالْعِلْمِ وَ فَطَمْتُكِ عَنِ اَلطَّمْثِ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَللَّهِ لَقَدْ فَطَمَهَا اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَ عَنِ اَلطَّمْثِ بِالْمِيثَاقِ» [٢٨]، فإنَّ هذا اسمٌ إلهيٌّ أسمى بهِ الله الصّديقة الزّهراء فاطمة (ع)، وقد أعطى الأئمّةُ المعصومون (ع)خصوصيات لهذا الاسم المُبارك، ففي الرّواية عن ابن جمهور، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن السّكوني قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) وأنا مغموم مكروب فقال لي: يا سكوني ما غمّك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك، فسرى والله عني، فقال: ما سمّيتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه آه آه، ثم وضع يده على جبهته - إلى أن قال: - ثمّ قال: قال لي: أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها [٢٩]، فالرّواية دالّةٌ على أهمّيّة إكرام البنتِ الّتي تسمّى باسمِ (فاطمة)، وتوقيرها، وترك إهانتها، وفي الرّواية عن الإمام أبي الحسن (ع) أنَّهُ قال: «اَ يَدْخُلُ اَلْفَقْرُ بَيْتاً فِيهِ اِسْمُ مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ عَلِيٍّ أَوِ اَلْحَسَنِ أَوِ اَلْحُسَيْنِ أَوْ جَعْفَرٍ أَوْ طَالِبٍ أَوْ عَبْدِ اَللَّهِ أَوْ فَاطِمَةَ مِنَ اَلنِّسَاءِ » [٣٠]

فالاسمُ الّذي سُمّيتْ بهِ السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) مِنْ جدّها الإمام الصّادق (ع) اسمُ خيرٍ ورزقٍ وبركة، يرفعُ الفقرَ عن البيتِ الّذي هيَ فيه، فتسميتها من إِمام معصوم (ع) يمكن القول عنه بأنَّهُ تبيان لخصوصيّة من خصوصيّاتها (ع).

وكذلك أيضاً ممّا أخبرت به الرّواية الشّريفة هو إِخبارُ الإمام الصّادق (ع)، وذكرهُ لمكان وموضع مدفن السّيّدة المعصومة (ع)، حيث قال: «وَإِنَّ لَنَا حَرَماً وَهُوَ بَلْدَةُ قُمَّ »، فقد أشارَ (ع) إلى خصوصيّة بلدةِ قُم المُقدّسة، حيث عبّرَ عنها بأنّها حرمٌ لأهلِ البيتِ (ع)، وفي رواية أُخرى أشار الإمامُ الصّادق(ع) إلى قدسيّة بلدة قُم، فقد رويَ عن الإمام الصّادق (ع) أنَّهُ قال: «قُم بلدُنا وبلدُ شيعتنا، مُطهّرةٌ مُقدّسةٌ، قَبِلتْ ولايتنا أهل البيت»[٣١]، فإنّ نسبَةَ بلدة قُم إليهم، والإشارة لقُدسيّتها تُشير إلى عدّة أمور، ومن تلك الأمور هو أنَّ هذه الأرض تتشرّفُ باحتضان الجسد الطّاهر للسّيّدة الجليلة فاطمة المعصومة (ع)، ويمكن فهم هذا الوجه من قوله (ع): وستُدفن فيها امرأة من أولادي تُسمّى فاطمة، فتكون بلدة قُم حرمهُم بلحاظ قبر السّيّدة المعصومة (ع) وأنّ تلك الأرض مُقدّسة ومُطهّرة، ومما يمكن كذلك الإشارة إليه في نفس هذا اللحاظ ما رويَ عن الإمام الصّادق (ع) أنَّهُ قال: إذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقُم وحواليها، فإنّ البلاءَ مدفوعٌ عنها[٣٢]، فيمكنُ القول بأنَّ أحد أسباب دفع البلاءِ عن أرض قُم وجود قبرها الطّاهر، حيث إنَّ مراقد أهل البيت (ع) أمانٌ لمَنْ يجاورها، كما وَرَدَ ذلك في شأن قبري الإمامين العسكريّين، فقد روى الشّيخ الطّوسي في التّهذيب: (عن أبي هاشم الجعفريّ قال: قال لي أبو محمّد الحسن بن علي (ع): «قَبْرِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى أَمَانٌ لِأَهْلِ اَلْجَانِبَيْنِ»[٣٣]، وفسّره في الوافي: (يعني أهل البلاد التي من جانبي القبر)[٣٤]، وفي روضة المتقين: الخاصّة والعامّة أو عراق العرب والعجم"[٣٥]، وأمّا الأمور الأُخرى في توضيح المفهوم لهذه الرّوايات المادحة لمدينة قُم وأهلها الّتي ذكرناها، والاستدلال بها وبالرّوايات الأُخرى الّتي لم نتطرّق لها الموضّحة لخصوصيات أُخرى نتركُها لمحلّ بحثها في ذكر وجه تسميتها بـ (قم)[٣٦].

ثُمَّ أشارَ الإمام الصادقُ (ع) إلى الحثّ على زيارتها، القصد إلى قبرها الشّريف، حيث قال (ع): «مَنْ زَارَهَا وَجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ »، وهذا العطاءُ العظيم دليلٌ من الأدلّة الّتي يؤكّدها الإمام الصّادق (ع) على عظمتها ومقامها الرّفيع وسموّ منزلتها.

وفي قوله: (وجبت له الجنّة)، ذكر سماحة آية الله السّيّد عادل العلويّ: "أقول: ربما معنى (وجبت له الجنّة) هو على نحو الاقتضاء، والعلّة النّاقصة، أي من يزورها يتوفّق لدخول الجنّة، وتكون له الأرضيّة المعدّة لذلك على نحو الاقتضاء، ولكن يبقى مع عدم وجود المانع أي المعاصي والذّنوب، فالعلّة تكون تامّة في دخول الجنّة مع وجود المقتضي كزيارة السّيّدة، وعدم المانع كالمعصية، فمن يذنب فإنَّهُ يحرقُ الزّيارة حينئِذٍ، نعم، لو تاب فإنّ الله هو التّوّاب الغفور الرّحيم"[٣٧].

٣. ما رويَّ عن الإمام الصّادق (ع): « أَنَّ زِيَارَتَهَا تَعْدِلُ اَلْجَنَّةَ »[٣٨].

ويمكن التّعليقُ على هذه الرّواية، بما تقدّم ممّا ذكرناه من كلام السّيّد العلويّ بأنَّ قول الإمام (ع): « زِيَارَتَهَا تَعْدِلُ اَلْجَنَّةَ » على نحو الاقتضاء، ببيان: أنَّهُ لا يستفاد من أنَّ زيارة السّيّدة المعصومة (ع) تُوجب دخول الجنّة على نحو العلّةٌ التّامّة والفوز بالجنّة كنتيجةٍ قطعيّة حتميّة، ومصيرٍ نهائي للزّائرين لها (ع)، وإنّما هو كون هذه الزّيارة مؤثّرةٌ في النّتيجة المذكورة على نحو الاقتضاء، باعتبار أنّ النّتيجة المذكورة وهي: دخول الجنّة، متوقّفة على أمور وعوامل أخرى أيضاً.

فيكون تأثير الزّيارة في الفوز بالجنّة نظير تأثير النّار في الإحراق، فكما أنّ النّار لا تحرق إلّا مع تحقّق الشّرط وهو اقتراب الجسم المحترق من النّار، وارتفاع المانع وهو الرّطوبة، كذلك أيضاً لا تؤثّر الزّيارة أثرها إلّا مع تحقّق بقيّة الشّروط وارتفاع الموانع، وعلى هذا فلا يمكن التّعويل والاتّكاء على الزّيارة فقط مع اجتناب جميع الواجبات المفروضة مِنَ الله وارتكاب جميع المحرّمات الّتي نهى الله سبحانه عن فعلها.

٤. ما رويَّ عن الإمام الصّادق (ع) أنَّه قال: « أَلاَ وَ إِنَّ قُمَّ اَلْكُوفَةُ اَلصَّغِيرَةُ أَلاَ إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ثَلاَثَةٌ مِنْهَا إِلَى قُمَّ تُقْبَضُ فِيهَا اِمْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي اِسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُوسَى وَ تُدْخَلُ بِشَفَاعَتِهَا شِيعَتِي اَلْجَنَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ» [٣٩]

وتؤيّدُ هذه الرّواية ما ذكرناه سابقاً، بأنَّ الرّوايات الواردة في مَدح بلدةِ قُم وتبيان قُدسيّتها. إنّ أحد التّوجيهات والأسباب لهذه الرّوايات هو سبَبُ وجود قبرِ السّيّدة المعصومة (ع)، فعندما ذكر الإمامُ (ع) بأنَّ بلدة قُم هي « اَلْكُوفَةُ اَلصَّغِيرَةُ » وأنَّ لها ثلاثة أبوابٍ مِن أبوابِ الجنّة الثّمانية، قال (ع): « تُقْبَضُ فِيهَا اِمْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي »، فأحدُ العوامل الّتي مِنْ أجلها مُدحَتْ بلدةُ قُم، هو تشرّفها باحتضان الجسد الطّاهر لهذه السّيّدة المعظّمة.

ثُمَّ تُشير الرّواية لأحدِّ المقامات الّتي بلغتها هذه السّيّدة الجليلة، في قول الإمام (ع): « وَ تُدْخَلُ بِشَفَاعَتِهَا شِيعَتِي اَلْجَنَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ»، إشارةٌ إلى مقامِ الشّفاعة، حيثُ نجدُ في القُرآن الكريم ما دلَّ على ثبوت الشّفاعة لغيرِ الله بإذنه (تبارك وتعالى)، حيث قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[٤٠]، وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[٤١]، وقوله تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا[٤٢]، وقوله تعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ[٤٣]، وإنَّ مِنْ مُقتضى فهم عقيدة التّوحيد في الخالقيّة أنّهُ لا يُوجدُ مؤثِّرٌ في الكون إلّا الواحد الأحد، وأنَّ التّأثير من قِبَلِ سائِر العلل إنّما هو على وجه التّبعيّة لإرادته .

وأمّا الرّواياتُ في بحث الشفاعة كثيرةٌ جداً، عند العامّة والخاصّة، نذكر منها:

  1. أخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): «مَنْ قَضَى حَاجَةً لِأَخِيهِ كُنْتُ وَاقِفاً عِنْدَ مِيزَانِهِ فَإِنْ رَجَحَ وَ إِلاَّ شَفَعْتُ لَهُ»[٤٤].
  2. عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص): « أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلِي ... وأعطيت الشفاعة ولم يعط نبيٌّ قبلي» [٤٥]
  3. عن محمّد بن عمّار عن أبيه قال: قال أبو عبد الله الصّادق(ع): « مَنْ أَنْكَرَ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا ، اَلْمِعْرَاجَ وَ اَلْمُسَاءَلَةَ فِي اَلْقَبْرِ وَ اَلشَّفَاعَةَ»[٤٦].
  4. ما وَرَدَ في زيارة الإمام أمير المؤمنين (ع)، عن يوسف الكُناسي ومعاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله الصّادق (ع): « أَتَيْتُكَ أَسْتَشْفِعُ بِكَ يَا مَوْلاَيَ إِلَى اَللَّهِ لِيَقْضِيَ بِكَ حَاجَتِي فَاشْفَعْ لِي يَا مَوْلاَيَ» [٤٧]

فالشّفاعة مِن الأُمور المسلّمة والثّابتة عند علماء المسلمين، إلّا مَن لم يكن من المنصفين ولم يخضع لمنطق الدّليل وواضح البرهان، والبحوث فيها مفصّلةٌ وموسّعة، فراجع.

ومِمّن ثبت لها مقامُ الشّفاعة برواية إمامنا الصّادق(ع)، هي حفيدته الطّاهرة الشّافعة السّيّدة فاطمة المعصومة (ع)، بقوله: (وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم)، وقد أشار الفقيه الكبير آية الله الشّيخ الجوادي الآملي في شرح زيارة الجامعة الكبيرة، عند قول المعصوم:«وَشُفَعَاءُ دَارِ اَلْبَقَاءِ »، عند البحث عن الشّفعاء وخصائصهم وصفات المشفوع لهم، أشار إلى شفاعة السّيّدة المعصومة (ع): "إنّ السيّدة المعصومة شعاعٌ من الزّهراء، سلام الله عليها، وقد ألبسها تعالى الهيبة والجلال"[٤٨]، ثمّ ذكر هذه الرّواية الشّريفة التي أشرنا لها رابعاً مما ورد في شأنها (ع) عن الإمام الصّادق (ع).

فهذا ما وَرَدَ لنا في شأن سيّدتنا ومولاتنا السّيّدة المعصومة(ع) في حديث الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق(ع).

السّيّدة فاطمة المعصومة(ع) في كلام الإمام الكاظم (ع)

وأمّا ما وَرَدَ في شأن هذه السّيّدة الجليلة في حديث أبيها الإمام موسى بن جعفر (ع)، ممّا يبيّن شأنها ومقامها.

١. ورد عن الإمام الكاظم (ع) أنَّهُ قال في شأن ابنته السّيّدة فاطمة المعصومة (ع): ثلاث مرات قال: «فِدَاهَا أَبُوهَا»[٤٩]

وقد وردت هذه الرّواية استناداً لما جاء في بعض الوثائق التّاريخيّة من أنَّ جماعة من الشّيعة قصدوا إلى المدينة المنوّرة، يريدون الإجابة على بعض الأسئلة الّتي كانت معهم، وكان الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) مسافراً خارج المدينة، فتصدّت السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) للإجابة، وكتبتْ لَهم جواب أسئلتهم، وفي طريق رجوعهم من المدينة التقوا بالإمام الكاظم (ع)، فعرضوا عليه الإجابات، وعندما اطّلعَ الإمام (ع) على إجاباتها قال ثلاث مرات «فِدَاهَا أَبُوهَا»[٥٠].

فإنَّ المُتأمِّل في هذه المقولة الموسويّة، يمكن لهُ أن يُدْرِكَ مدى المكانةِ العلميّة الّتي بلغتها هذه السّيّدة الجليلة -حتّى وإن لم يحفظ التّاريخ لنا خصوصيّات ما تلقّته هذه السّيّدة العظيمة من العلم على يدِ أبيها وأخيها-؛ حيثُ تصدّتْ للإجابة على المسائِل الّتي جاءَ بها الشّيعة، قاصدين والدها الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر(ع).

وهذه الرّواية تعتبرُ مما جاءَ في شأنها أيّامَ حياتها (ع)، وهيَّ تؤكّد على شهادة الإمام الكاظم (ع) بالمكانة العلميّة الّتي بلَغتْها ابنتُهُ السّيّدة المعصومة (ع)، وتكشف لنا عما عند هذه السّيّدة العالمة مِنْ علمٍ لدُنّي؛ فإنّ هذا العلم غير المحتاج إلى التّعليم، هو من شأن المعصوم فيكشف علمها عن عصمتها، نظير ما جاء في الإشارة عن علمِ عمّتها السّيّدة زينب الكبرى (ع) عن الإمام زين العابدين (ع)، وهو يخاطب عمّته العقيلة: «وَ أَنْتِ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ» [٥١]، وكيف لا تكون السّيّدة المعصومة (ع) كذلك، وهي مَن تربّت في بيت النّبوة والإمامة، وتغذّت من نمير علم والدها الفيّاض والبحر الزّاخر الإمام الكاظم (ع)، وبحرِ أخيها عالمِ آل محمّد الإمام الرّضا (ع).

ونظيرُ هذا القول العظيم: «فِدَاهَا أَبُوهَا»، ما جاء في باب فضائل الصّديقة الزّهراء (ع) ومناقبها، عن محمّد بن قيس قال: «كَانَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَطَالَ عِنْدَهَا اَلْمَكْثَ فَخَرَجَ مَرَّةً فِي سَفَرٍ فَصَنَعَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ مَسَكَتَيْنِ مِنْ وَرِقٍ وَ قِلاَدَةً وَ قُرْطَيْنِ وَ سِتْراً لِبَابِ اَلْبَيْتِ لِقُدُومِ أَبِيهَا وَ زَوْجِهَا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَقَفَ أَصْحَابُهُ عَلَى اَلْبَابِ لاَ يَدْرُونَ يَقِفُونَ أَوْ يَنْصَرِفُونَ لِطُولِ مَكْثِهِ عِنْدَهَا فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ عُرِفَ اَلْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ اَلْمِنْبَرِ فَظَنَّتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِمَا رَأَى مِنَ اَلْمَسَكَتَيْنِ وَ اَلْقِلاَدَةِ وَ اَلْقُرْطَيْنِ وَ اَلسِّتْرِ فَنَزَعَتْ قِلاَدَتَهَا وَ قُرْطَيْهَا وَ مَسَكَتَيْهَا وَ نَزَعَتِ اَلسِّتْرَ فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَتْ لِلرَّسُولِ قُلْ لَهُ تَقْرَأُ عَلَيْكَ اِبْنَتُكَ اَلسَّلاَمَ وَ تَقُولُ اِجْعَلْ هَذَا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ فَعَلَتْ فِدَاهَا أَبُوهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَيْسَتِ اَلدُّنْيَا مِنْ مُحَمَّدٍ وَ لاَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَ لَوْ كَانَتِ اَلدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اَللَّهِ مِنَ اَلْخَيْرِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا أَسْقَى فِيهَا كَافِراً شَرْبَةَ مَاءٍ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا»[٥٢]

فما أروعه من بيانٍ في حقّ السّيّدة المعصومة (ع) مِنْ افتداءِ إمامٍ معصوم ذو عصمة مطلقة لابنته، كما افتدى النّبيّ الأعظم محمّد(ص) ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة (ع)، فهذا يدلُّ على مقامٍ خاصٍّ تَنالهُ المعصومة (ع) لعصمتها –ولو أنَّ عصمتها ليست كعصمة أبيها(ص) رُتبةً، إلّا أنَّها معصومة-.

وقد فُسّر هذا الافتداء، تارة بلحاظ شفقة الأب على ولده، أي: تلك الشّفقة الفطريّة الّتي ترخص دونها النّفس والمال، وتارةً فُسّرت بأنَّ هذه العبارة تدلّ على عظيم منزلتها عند الله (تبارك وتعالى) وعند أبيها الإمام الكاظم (ع)، وهذا التّفسير يقوى؛ بالنّظر إلى جميع الرّوايات الّتي وردت في شأنها بلسان الأئمّة(ع).

وممّا يجدر بنا ذكره هنا أيضاً، أنَّ سيدتنا الطّاهرة فاطمة المعصومة (ع) ممّن روت الأحاديث عن آبائها وأجدادها الطّاهرين، فهي من رواة حديث الغدير[٥٣]، وحديث المنزلة[٥٤]، وحديث حبّ آل محمّد[٥٥]، وروت حديث «شِيعَةُ عَلِيٍّ هُمُ اَلْفَائِزُونَ »[٥٦]، وغير ذلك. فهذا ما وَرَدَ لنا في شأن سيّدتنا ومولاتنا السّيّدة المعصومة (ع) في حديث الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع).

السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) في كلام الإمام الرّضا(ع)

وأمّا ما وَرَدَ في شأن هذه السّيّدة الجليلة في حديث أخيها الإمام علي بن موسى الرّضا (ع)، ممّا يبيّن شأنها وعظمتها (ع).

١. عن الإمام الرّضا (ع): «يَا سَعْدُ عِنْدَكُمْ لَنَا قَبْرٌ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَبْرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ نَعَمْ مَنْ زَارَهَا عَارِفاً بِحَقِّهَا فَلَهُ اَلْجَنَّةُ » [٥٧]

يُشيرُ الإمام (ع) إلى موضِعِ قبر أُخته السّيّدة المعصومة (ع)، عندما وجّه سؤالهُ لسعدٍ: «عِنْدَكُمْ لَنَا قَبْرٌ »، فأقرَّ سعدٌ بأنَّه نعم، لكم قبرٌ عندنا، فذكر سعدٌ قبرٌ مَن الّذي يريد الإمام الرّضا (ع) الإشارة إليه، فقال سعد: « قَبْرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُوسَى »، فهذه الرّواية تُشير إلى أنَّ قبر السّيّدة المعصومة (ع) في بلدة قُم المقدّسة، ويمكن الاستدلال من خلال هذه الرواية على أنَّ هذه السّيّدة الجليلة قد فارقت الحياة قبل شهادة أخيها الإمام علي بن موسى الرّضا (ع)، وأنَّ الإمام أراد التّأكيد على أنَّ قبرها هو في بلدة قم، وهذه الرّواية من القسم الثّالث، أي: ما وَرَدَ في شأنها بَعْدَ رَحِيلها (ع).

ثُمَّ يؤكّدُ الإمام (ع) على استحباب زيارة قبرها (ع)، بقوله: «مَنْ زَارَهَا عَارِفاً بِحَقِّهَا فَلَهُ اَلْجَنَّةُ»، وهنا يؤكّد الإمام (ع) على أهمّيّة معرفة هذه السّيّدة الفاضلة الطّاهرة الزّكيّة، وما أعظم هذه المقولة!، وما أدراكَ ما معرفتها ومعرفةُ حقِّ آل محمّد (ع)، فقد جاءَ عن رسول الله (ص) أنَّهُ قال: «مَنْ مَنَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ أَهْلِ بَيْتِي وَ وَلاَيَتِهِمْ فَقَدْ جَمَعَ اَللَّهُ لَهُ اَلْخَيْرَ كُلَّهُ»[٥٨]، والحقّ بمعنى الشّيء الثّابت، وحقُّ هذه السّيّدة الجليلة هو ما ثبت لها من الله ومن أهل البيت (ع)، حيثُ شهِدَ لها الأئمّةُ المعصومون (ع) في أحاديث كثيرة، فمعرفةُ حقّها أن نُقِرَّ لها بما أعطاها المعصوم (ع)، من التّأكيد على شأنها وعلوّ مكانتها وما بلغتهُ من الرّفعة والسموّ، وأنَّها من ذلك البيت الطّاهر الّذي قال الله تعالى عن شأنه في كتابه المجيد: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ[٥٩]، وأنَّها شبيهةُ جدتها الصّديقة الزّهراء (ع)، وشبيهة عمّتها زينب الكبرى (ع)، وأنَّها معصومةٌ طاهرةٌ زكيّة مُطهّرة، والاعتراف لها بأنَّها شافعة مشفّعة بإذن ربّها الكريم، وغير ذلك ممّا يفهم من كلمات المعصومين (ع)) بشأنها (ع).

٢. عن الإمام الرّضا (ع) أنَّه قال: «مَنْ زارَ المعصومة بقم كمن زارني»[٦٠].

ومن هذه الرّواية يمكن الإشارة إلى أشهر ألقاب السّيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم، أنَّ من أشهر ألقابها "المعصومة"، وهو أكثرُ لقبٍ عُرِفت بهِ، وقد أطلق الإمامُ الرّضا (ع) من خلال هذه الرّواية، هذا اللقب العظيم على أُخته فاطمة، (مَنْ زارَ المعصومة)، وهذا يدلُّ أيضاً على إِثبات العصمة –العصمة الأفعاليّة- لها (ع) استناداً للقاعدة المعروفة مِنْ أنَّ تعليق الحكم بالوصف مشعرٌ بالعليّة، وعندما أشارَ في قوله (بقُم) عُرِفَ أنَّهُ (ع) يُطلقُ هذا اللقب عليها، لأنَّها هيَّ المدفونة في أرض قُم.

ثُمَّ يشيرُ(ع) لخصوصية عظيمة مِنْ خصوصيّاتها، وهي أنَّ زيارتَّها تُعادل زيارته، وكما أسلفنا في أوّل البحث بأنَّ المعصوم(ع) لا يُصدر الكلام مبالغةً، أو جُزافاً –حاشاه ذلك-، فمن زارها كمن زار الرّضا، لأنّها معصومة (ع)، فإنْ أردنا معرفة فضل زيارتها، فينبغي علينا أنْ نعرف فضل زيارة الإمام الرضا (ع) وشأنها العظيم، والرّوايات في هذا الباب كثيرة، نتبرّكُ بذِكر بعض ما وَرَدَ في فضل زيارته (ع):

  1. روي عن النّبيّ الأكرم (ص) أنَّهُ قال: «سَتُدْفَنُ بَضْعَةٌ مِنِّي بِأَرْضِ خُرَاسَانَ لاَ يَزُورُهَا مُؤْمِنٌ إِلاَّ أَوْجَبَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ اَلْجَنَّةَ وَ حَرَّمَ جَسَدَهُ عَلَى اَلنَّارِ »[٦١]
  2. عن أبي الحسن الرّضا (ع) أنَّه قال: «إِنَّ بِخُرَاسَانَ لَبُقْعَةً يَأْتِي عَلَيْهَا زَمَانٌ تَصِيرُ مُخْتَلَفَ اَلْمَلاَئِكَةِ فَلاَ يَزَالُ فَوْجٌ يَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمَاءِ وَ فَوْجٌ يَصْعَدُ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِي اَلصُّورِ» فَقِيلَ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ أَيَّةُ بُقْعَةٍ هَذِهِ قَالَ «هِيَ أَرْضُ طُوسَ وَ هِيَ وَ اَللَّهِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ مَنْ زَارَنِي فِي تِلْكَ اَلْبُقْعَةِ كَانَ كَمَنْ زَارَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ مَبْرُورَةٍ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ مَقْبُولَةٍ وَ كُنْتُ أَنَا وَ آبَائِي شُفَعَاءَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ »[٦٢].
  3. روى الصّقر بن دلف قال: سمعت سيّدي علي بن محمّد بن علي الرّضا (ع) يقول: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اَللَّهِ حَاجَةٌ فَلْيَزُرْ قَبْرَ جَدِّيَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِطُوسَ وَ هُوَ عَلَى غُسْلٍ وَ لْيُصَلِّ عِنْدَ رَأْسِهِ رَكْعَتَيْنِ وَ لْيَسْأَلِ اَللَّهَ حَاجَتَهُ فِي قُنُوتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَجِيبُ لَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ فِي مَأْثَمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ وَ إِنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ لَبُقْعَةٌ مِنْ بِقَاعِ اَلْجَنَّةِ لاَ يَزُورُهَا مُؤْمِنٌ إِلاَّ أَعْتَقَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلنَّارِ وَ أَحَلَّهُ إِلَى دَارِ اَلْقَرَارِ»[٦٣]. فطُوبى ثُمَّ طُوبى لِمن زارَ الإمام الضّامن عليّ بن موسى الرّضا (ع) وزارَ أُخته السّيّدة المعصومة (ع)، فمن زارَ المعصومة كمن زار الرّضا.

٣. عن سعد بن سعد، قال: سألتُ أبا الحسن الرّضا (ع) عن زيارة فاطمة بنت موسى (ع)، فقال: «مَنْ زَارَهَا فَلَهُ اَلْجَنَّةُ »[٦٤]. وهذا تأكيدٌ آخرُ من إِمامٍ معصومٍ وخليفة الله وحُجته على خلقه، على أنَّ الجزاءَ والعطاء لزائِر السّيّدة المعصومة (ع) هو الجنّة.

٤. وقال المجلسي في البحار: نقلًا عن بعض كتب الزّيارات: حدّث عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد، عن علي بن موسى الرّضا (ع)، قال: قال: «يَا سَعْدُ عِنْدَكُمْ لَنَا قَبْرٌ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَبْرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ نَعَمْ مَنْ زَارَهَا عَارِفاً بِحَقِّهَا فَلَهُ اَلْجَنَّةُ فَإِذَا أَتَيْتَ اَلْقَبْرَ فَقُمْ عِنْدَ رَأْسِهَا مُسْتَقْبِلَ اَلْقِبْلَةِ وَ كَبِّرْ أَرْبَعاً وَ ثَلاَثِينَ تَكْبِيرَةً وَ سَبِّحْ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ تَسْبِيحَةً وَ اِحْمَدِ اَللَّهَ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ تَحْمِيدَةً ثُمَّ قُلِ اَلسَّلاَمُ عَلَى آدَمَ صَفْوَةِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى نُوحٍ نَبِيِّ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى مُوسَى كَلِيمِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى عِيسَى رُوحِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صَفِيَّ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ خَاتَمَ اَلنَّبِيِّينَ ... إلى آخر الزيارة»[٦٥]. وهذه الرّواية أولها قد أشرنا له في الرّواية الأولى، الّتي ذكرناها عن الإمام الرّضا (ع) وهنا بزيادة ذكر كيفيّة الزّيارة، وقد ذكر العلّامة المجلسيّ في تحفة الزّائر: "أنّ من المحتمل أنّ تكون هذه الزّيارة من مؤلّفات العلماء، لا مِن تتمّة الحديث." [٦٦]

السّيّدة فاطمة المعصومة (ع) في كلام الإمام الجواد(ع)

وأمّا ما وَرَدَ في شأن هذه السّيّدة المعظّمة في حديث ابن أخيها الإمام محمّد بن عليٍّ الجواد (ع)، ممّا يبيّن المكانة الرّفيعة والفضل الكبير لزيارةِ عمّته المعصومة (ع). ورواياتُهُ (ع) تعتبر أيضاً مِن القسم الثّالث، فيما وَرَدَ في حقّها بعد رحيها (ع).

١. عن الإمام الجواد (ع) أنّه قال: « مَنْ زَارَ قَبْرَ عَمَّتِي بِقُمَّ فَلَهُ اَلْجَنَّةُ » [٦٧]

وهنُا نُشير إلى أنَّ ثلاثةً من أئِمَّةِ الدِّينِ والهدى (ع) قد أشادوا بفضلها ومقامها، وفضل زيارتها (ع) تعدل أو تعادل الجنّة، فقد أشارَ الإمامُ الصّادقُ (ع)، والإمام الرّضا (ع)، وكذلك إمامنا محمّد الجواد (ع)يؤكّدُ على ما أكّد عليه آباؤهُ (ع) بأنَّ لزائرها الجنّة، فما أعظمها من سيّدةٍ مباركةٍ، ميمونةٍ، معظمةٍ، يشيدُ بفضل زيارتها ثلاثةُ مِنَ الأَئِمّة الطّاهرين(ع).

وإشارةً إلى "الزيارة"، فقد ذكر سماحة آية الله السّيّد عادل العلوي: "إلّا أنّ الزّيارة مِن الكُلّيّ التشكيكيّ فله مراتب طوليّة وعرضيّة، وإنّ آثارها تختلف باختلاف مراتبها وزائريها، فمنهم مَن ينالُ بزيارتها الجنّة وسعادة الدّارين، ومنهم مَن يتوفّق للتّوبة والإنابة إلى الله، فالقلوبُ أوعية، خيرها أوعاها، وينال الزّائر الكريم بزيارتها وقدسيّة حرمها الشّريف وروحانيّة حضرتها القدسيّة بمقدار معرفته، وما يحمل من خلفيّة ثقافيّة دينيّة وورع وتقوى" [٦٨]

٢. وعن كتاب النّقض، أنّهُ قال: (وكان ملوك العالم وأُمَراؤه من الحنفيّة والشافعيّة يتقرّبون إلى الله بزيارة قبر بنت موسى بن جعفر) [٦٩]

فيمكن من خلال هذه الرّواية إثبات السّيرة بأنَّها قائمةٌ على تعظيم مرقد بضعة الإمام الكاظم من زَمَنِ مُلوك العالم وأُمراؤه من الحنفيّة والشّافعيّة، وكذلك يمكن القول بأنَّ سيرة علمائنا وفقهائنا العظام قائِمةُ على تعظيم مرقدها، ويتقرّبون إلى الله بها وبجاهها العظيم عنده، ولقد ذكر شيخنا آية الله الشيخ محمد السّند البحرانيّ في كتابه الدّائرة الاصطفائيّة الثّانية، تحت عنوان: تعظيم مرقد السّيّدة فاطمة المعصومة في قم المقدّسة، ما نصّه: "تمجيد علماء الإمامية للسّيّدة فاطمة بنت موسى بن جعفر، منذ شهادتها إلى يومنا هذا يداً بيدٍ وجيلاً بعد جيل مع تشدّد علماء قم، فقد كان علماء قم في زمن الإمام الرّضا (ع) متشدّدين في دقّة كلّ طقس من طقوس الدّين ومع ذلك سيرتهم على تعظيم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر ليس اعتباطاً؟ بل إنّ سيرة العلماء على تعظيم السّيّدة فاطمة(ع) لها أصول وجذور. ونفس هذه الآثار تشغل حيّزاً كبيراً في سيرة المسلمين، وليس فقط في سيرة الإماميّة الاثني عشريّة" [٧٠]

ومن خلال ما تقدَّم كلّه، تبيّن لنا عظمة هذه السّيّدة الجليلة الطّاهرة فاطمة المعصومة(ع)، وما لها من شأنٍّ عظيم قد أكّدت عليه خطاباتُ الأئمّة المعصومين (ع)، وما لزيارتها من فضلٍ وشأنّ كبيرين، ولا أدّعي أنّني تتبّعتُ كلَّ ما وَرَدَ في حقّها بلسان الأئمّة (ع)، فرُبّما هنالك رواياتٌ أُخر لم أطّلع عليها، ومع بضاعتي القليلة في هذه السّطور، أسأل الله أن يرزقني في الدّنيا زيارتها ومجاورتها، وفي الآخرة شفاعتها.[٧١]

زواج السَّيِّدة المعصومة

من الشَّخصيات العظيمة في الإسلام، ومذهب التَّشيُّع على الخصوص شخصيَّة السَّيِّدة المعصومة(ع)، ويكفي لإدراك بعض عظمتها النَّظر فيما جاء في حقِّها من بعض الأحاديث، والتَّأمل في زيارتِها، والتَّي تكشف عن مكانتها لدى أهل بيت العصمة والطَّهارة(ع). وهي وإن لم تكن معدودة من المعصومين الأربعة عشر إلَّا أنَّها ذات مكانة وشأن عظيمين، إن لم نقل بعصمتها؛ إذ لا دليل واضح على حصر المعصومين بالأربعة عشر؛ كيف؟ والأنبياء كلُّهم معصومون.

وعادة ما تكون الشَّخصيات العظيمة مورداً لتسليط الضَّوء عليها من قبل المؤالِف والمخالف، فالمؤالِف والمحبِّ لها؛ ليتَّخذها قدوةً له في حياته، والمخالف لها قد يتصيَّد في الماء العكر. ولكن قد يحكي التَّاريخ عن صفة أو فعل لشخصيَّة عظيمة، هذه الصِّفة قد تكون مثار استغراب عند بعض النَّاس؛ بحكم ما يبنيه من رؤى وأفكار وصفات لا بدَّ أن تكون في تلك الشّخصيّة القدوة له.

وقد أثيرت بعض الأسئلة حول شخصيَّة السَّيِّدة المعصومة، والتي وقع جوابها محلَّا للخلاف والأخذ والرَّدِّ، والإشكاليَّة تحديداً هي: بما أنَّ الإسلام من جانب يحثُّ على الزَّواج، وأنَّه نقل عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ص): «مَنْ تَزَوَّجَ أَحْرَزَ نِصْفَ دِينِهِ»،‏ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَوِ الْبَاقِي»[٧٢]، وغيرها من الرِّوايات التي تحثُّ على الزَّواج، فهنا ينشأ عند بعض النَّاس سؤالٌ، وحاصله: أنَّه ما دام الإسلام يحثُّ على الزَّواج، فحريٌّ بعظماء هذا الدِّين التِّحلِّي والالتزام بأوامر الدِّين ونواهيه قبل غيرهم؛ إذ عدم الالتزام بذلك خلاف العظمة والمكانة التي هم فيها، والحال أنَّ عظماءَ الدِّين كالسَّيِّدة المعصومة لا تلتزم بذلك في مسألة الزَّواج؟! وهذا يرجع لأحد أمرين؛ إمَّا أنَّ روايات الحثِّ على الزَّواج قاصرة؛ ولذا لم تلتزم بها السِّيَّدة، وإمَّا أنَّ السِّيَّدة خالفت تلك الرِّوايات -والعياذ بالله-!

بيان الحكم الشَّرعيّ في الزَّواج

الزَّواج مستحبٌّ في حدِّ نفسِه -وإلّا فتجري فيه الأحكام الأربعة-، بالإجماع بقسميه عند الخاصَّة والعامَّة، والكتاب والسُّنَّة المستفيضة أو المتواترة [٧٣]

فأمَّا من القرآن فقوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[٧٤].

بتقريبِ أنَّ الأمرَ بإنكاح العُزَّاب الأحرار الصَّالحين منهم وغيرهم، والعبيد الصَّالحين منهم، والحثِّ والتّرغيب فيه ليس واجباً بعنوان أوّليّ، فهذا يكشف عن فضيلة نفس النِّكاح ورجحانه ومطلوبيَّته بنحو من الأنحاء، ويحمل الأمر على الاستحباب. وأمَّا من السُّنَّة الشِّريفة فقد نُقل عن الصَّادق(ع) أنَّه قال: قال الأمير(ع) أنَّه قال: «تَزَوَّجُوا فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَّبِعَ سُنَّتِي فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِيَ اَلتَّزْوِيجَ»[٧٥]. وغيرها من الرّوايات.

والنِّكاح عنوانٌ تعرضه العناوين الخمسة؛ فهو مستحبٌّ في نفسه وبالعنوان الأوّليّ، ولكن قد يعرض عنوان ثانويّ عليه فيكون واجباً بالنَّذر أو العهد أو اليمين أو عند كونه مقدِّمة لواجب على رأي أو عندما يكون تركه موجباً للوقوع في الحرام أو الضَّرر.

وقد يكون محرَّماً كما لو أدَّى إلى الإخلال بواجب أو ترك حقٍّ من الحقوق أو الزِّيادة على الأربع نساء بزواجٍ دائمٍ.

وقد يكون مكروهاً، ذاتاً: كالتَّزوج بمن نشأت في منبت السّوء. وعرضاً قابلاً للزّوال: كنكاح المجنونة أو الّتي لا تطيع زوجها. وعرضاً ليس قابلاً للزّوال: كنكاح العقيم.

وقد يتساوى ملاك الفعل وملاك التّرك فيكون مباحاً.

والنَّتيجة المهمَّة من هذه المقدِّمة هي أنَّ الزَّواج عنوانٌ وموضوعٌ قد تعرضه الأحكام الخمسة، ككثيرٍ من المواضيع، فالمكلَّف في المواضيع التي تخصُّ شأنه في كثير من الأحيان -إن لم نقل دائماً- هو من يشخِّص التّكليف المتوجِّه إليه، فقد يتحقّق موضوع الوجوب فيجب عليه، وقد يتحقّق موضوع الحرمة فيكون الحكم الحرمة في حقِّه، وقد يتحقَّق موضوع الاستحباب فيكون الحكم مستحبّاً في حقّه، وهكذا الكراهة والإباحة.

معنى الكمال

وهنا لا بدَّ من بيان أمور:

الكمال على قسمين حقيقيٌّ وغير حقيقيٍّ

الكمال الحقيقيّ هو الّذي يرفع الإنسان ومقامه في الحقيقة والواقع وعند خالقه، وذلك بأن يسلك ما يتقرَّب إلى الخالق عن طريق الطَّاعات الواجب منها والمستحبّ، والابتعاد عن معصية الخالق؛ شكراً لله على ما أعطاه وأغدق عليه من النِّعم التي لا تعدُّ ولا تحصى.

فكلُّ خطوةٍ يخطوها الإنسان وكلُّ فعل يفعله، وكلُّ إقدامٍ في شيء أو إحجام وإعراض عن شيء إذا لم يكن لله فهو لا يسير في طريق تكامله الحقيقيّ؛ فإنَّ ذلك يرجع إلى كمال موهوم كما سيتَّضح.

والكمال غير الحقيقيّ هو الّذي لا يرتقي بالإنسان ولا يقرِّبه بل قد يبعِّده، وذلك بأن يعتقد إنسان أنَّ الثروة والمال الكثير هو الكمال، أو أنَّ الجاه والمنصب هو الكمال، أو أن يكون الشَّخص مشهوراً ومعروفاً، وغيرها من العناوين الشّيطانيّة، الّتي تجعل أعمال الإنسان تذهب هباء منثوراً.

نعم يمكن أن يجعل الإنسان الدُّنيا وما فيها قنطرةً وطريقاً ومزرعة للآخرة، إلّا أنّه في الحقيقة قد شخَّص الكمال الحقيقيّ حينئذٍ.

الكمال في الاختيار

من الجدير بالذِّكر أنَّ وصف الكمال عندما يتَّصف به الشَّخص، إنَّما يكون الشّخص المتّصف به ذا فضيلةٍ ومنقبةٍ إذا كان مختاراً، وكان قد وصل إلى ذلك المقام من الكمال باختياره ومجاهدته لنفسه.

فالصَّفات الحسنة، هي الّتي جعلها الله في اختيار الإنسان وتحت يده وتصرّفه، وله أن يفعلها وله ألّا يفعلها، وهي اّلتي يرتقي بها الإنسان إلى الكمال الحقيقيّ، ففضيلة الكرم أو الخلق الحسن أو الصدق أو غيرها إنما تبرز كمالاً لو كانت باختيار الإنسان، لا ما إذا لم تكن باختياره.

وأمَّا اتَّصاف الإنسان بصفات هي خارج اختياره، فليس الحائز عليها تدلّ بالضّرورة على كماله، فلَونُ بشرة الإنسان ليس بيده أو طوله وقصره وفصيلة دمه أو محلّ مولده، هذه ليست في اختيار الإنسان، ولذا من الخطأ المباهاة بها؛ إذ إنَّها ليست فضيلة له وليست من فعله، بل فعل الله تعالى وتصرّفه، فجعلُها معياراً للمفاضلة ليس صحيحاً.

كما أنَّه لا يلام الإنسان أو يعاتب أو يحاسب على أمر ليس باختياره، نعم قد يعاتب على بعض المقدِّمات الّتي فرَّط فيها متعمِّداً.

وهناك صفات قد تدخل تحت تصرّف الإنسان تارة وأخرى لا تدخل، مثل وصف الزّوجيّة. فالتّصرّف والاختيار بالنّسبة للرّجل قد يكون واضحاً في مجتمعاتنا الإسلاميّة؛ إذ إنّ الرّجل هو الّذي يتقدّم ويطلب يد المرأة، فله أن يعقد عليها وله ألّا يعقد عليها.

وأمَّا المرأة يمكن أن تكون مختارة في قبولها للمتقدِّم لها أو عدم قبوله، ولكن عند عدم تقدّم أحد لها أو عدم تقدم الكفؤ لها فبقاؤها دون زواج يكون بغير اختيارها.

فالزَّواج مشروع حياة وطريق إلى طاعة الله، ولا يمكن أن تقبل المرأة بغير الكفؤ الّذي يبعّدها عن طاعة الله؛ إذ هو خلاف تشريع الزّواج الّذي هو للتّقرّب إلى الله. فالزّواج بما هو زواج من غير لحاظ القرب الإلهيّ لا قيمة له، فما لم يكن الزّواج لأجل القرب من الله وطاعته وعبادته، لا فائدة ولا ثمرة أخرويّة فيه.

والمرأة مثلاً إذا فاتها قطار الزَّواج -كما يعبِّرون- ولم يكن باختيارها، فلا تلام وتحاسب أو يقال فاتها كمال من الكمالات أو أنَّها لم تسعَ للكمال.

عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود

وهذه قاعدة منطقيّة مفادها أنَّه إذا لم تجد شيئاً فلا يدلُّ ذلك على عدم وجوده؛ لأنَّ الإنسان محدود، وعقلُه بحسب الخلقة قاصر عن إدراك ما وراء إدراكاته، فما أكثر ما تخفى عليه من أمور كثيرة، فليس من الصَّحيح عند عدم حصولي على أمر أن أحكم بنحو الجزم بعدم وجوده، وخصوصاً الأمور الّتي يصعب الجزم بعدم حصولها، كالأمور التَّاريخيّة الّتي تدخَّلت فيها حيثيِّات كثيرة، تجعلها غير واصلة أو غير نقيَّة الوصول، من طغاةٍ ظلمة، ورواةٍ كذبة، وأقلامٍ مأجورة.

ومن هنا قد يقال بأنَّه ليس من الصّحيح الجزم بعدم وقوع بعض الأحداث المنقولة في كتب التّأريخ مثل بعض أحداث واقعة كربلاء وما جرى فيها من المآسي، بحجّة عدم الوجود.

على أنَّه في كثيرٍ من الأحيان يخفي الإنسان بعضَ أمورِه الشَّخصيَّة عن الآخرين، كالصَّدقة في السِّرّ أو إعانة المحتاجين وغيرها، فيعتقد الآخرون أنَّه لا يفعل الخير وغيره، وما ذلك إلّا لعدم اطّلاعهم وعلمهم وعدم وجدانهم، ولا يدلُّ ذلك على عدم تصدِّقه وفعله للخير أبداً.

التَّأدُّب في محضر العظماء

من مواطن ظهور الأخلاق وبروز الآداب الحسنة، هي عند ذكر العظماء أو عندما تكون في محضرهم، وأعظم عظماء البشر على الإطلاق هم محمّد وآل محمّد(ص)، وبعدهم الأنبياء والعلماء والصُّلحاء.

ففي محضر هؤلاء العظماء على الإنسان أن يحسن أدبه معهم، وأن يحترمهم بما لهم منزلة عند الله وشأن عظيم، فلا يناسب في محضرهم أن تتكلَّم بكلام غير لائقٍ بمقامهم ومنزلتهم، سواء ذلك في محضرهم أو غيابهم.

يحدثنا التَّأريخ عن حسن التَّعامل معهم من قبل بعض الأصحاب، وكذلك يحدّثنا في المقابل بالتّعامل غير الحسن من قبل بعضهم، الكاشف عن عدم احترام وتأدّب، فمن النّماذج السّيّئة ذاك الشّقيّ الّذي يخاطب الأمير(ع): كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟![٧٦]، أو ذاك الأحمق الّذي سأل الإمام الباقر(ع): فيسرّك أنّ نساءك فعلْنَ ذلك -المتعة[٧٧].

ونحن كلامنا في مسألة زواج السّيّدة المعصومة روحي فداها، فينبغي أن نقف وقفة إجلال وإعظام لها والتّأدّب في محضرها، واختيار الكلمات المنتقاة، ونلحظ كل ذلك عند الجواب عن سؤال البحث.

سؤال: مع حثِّ الرِّوايات على الزَّواج وراجحيَّته واستحبابه، وما للمتزوِّج من ثوابٍ عظيمٍ ويضاعف الثَّواب له في صلاته، إلّا أنَّه نجد أنَّ مثل السِّيَّدة المعصومةr لم نسمع أنّها تزوّجت، فهل أنّها مستثناة من الرّوايات؟ أم أنَّ الرّواياتِ ليست مطلقةً؟ أم ماذا؟

توجد عدّة إجابات وآراء حول هذه المسألة، منها:

الرَّأي الأوّل: أنَّها لم تتزوَّج بسبب الظّروف المادّيّة الصّعبة والضّائقة الماليّة، الّتي كانت تعيشها مع أبيها الإمام الكاظم(ع)؛ اعتماداً على بعض النُّصوص، من قبيل ما دار بين الإمام الكاظم عليه السّلام وهارون الرّشيد عليه لعائن الله في المدينة من حديث، فقال هارون للإمام: «يَا أَبَا اَلْحَسَنِ مَا عَلَيْكَ مِنَ اَلْعِيَالِ فَقَالَ يَزِيدُونَ عَلَى اَلْخَمْسِمِائَةِ قَالَ أَوْلاَدٌ كُلُّهُمْ قَالَ لاَ أَكْثَرُهُمْ مَوَالِيَّ وَ حَشَمٌ فَأَمَّا اَلْوَلَدُ فَلِي نَيِّفٌ وَ ثَلاَثُونَ اَلذُّكْرَانُ مِنْهُمْ كَذَا وَ اَلنِّسْوَانُ مِنْهُمْ كَذَا قَالَ فَلِمَ لاَ تُزَوِّجِ اَلنِّسْوَانَ مِنْ بَنِي عُمُومَتِهِنَّ وَ أَكْفَائِهِنَّ قَالَ اَلْيَدُ تَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَمَا حَالُ اَلضَّيْعَةِ قَالَ تُعْطِي فِي وَقْتٍ وَ تَمْنَعُ فِي آخَرَ قَالَ فَهَلْ عَلَيْكَ دَيْنٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ كَمْ قَالَ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفِ دِينَارٍ فَقَالَ اَلرَّشِيدُ يَا اِبْنَ عَمِّ أَنَا أُعْطِيكَ مِنَ اَلْمَالِ مَا تُزَوِّجُ بِهِ اَلذُّكْرَانَ وَ اَلنِّسْوَانَ وَ تَعْمُرُ اَلضِّيَاعَ» [٧٨]

فيُفهم من هذه الرّواية ما كان يمرّ به الإمام من ضائقة، ولذا لم تتزوّج السّيّدة المعصومة.

وفيه:

أوّلاً: لو سلّمنا أنَّ المعصوم يمرّ بما ذكر من ضائقة ماليّة، إلّا أنّه في أمر كالزّواج لا نحتمل أن يرى المعصوم بعض المؤمنين يريد الزّواج ولا يعينه، فضلاً عمّا إذا كان من أهل بيته، كيف وقد حثونا كما في بعض الرّوايات على الإنفاق على العيال ومساعدتهم، فهل يعقل منهم مساعدة النّاس وعدم مساعدتهم لأهل بيتهم؟!

ثانياً: هناك شواهد تاريخية على أنَّ الإمام لم يكن في ضائقة مالية محتاجاً إلى المال؛ لكيلا يستطيع تزويج بناته.

منها: رَوَى أَبُو الْفَرَجِ فِي مُقَاتِلِ الطَّالِبِينَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ‏ "كَانَ‏ مُوسَى‏ بْنُ‏ جَعْفَرٍ(ع) إِذَا بَلَغَهُ‏ عَنِ الرَّجُلِ‏ مَا يَكْرَهُ‏ بَعَثَ إِلَيْهِ بِصُرَّةِ دَنَانِيرَ، وَكَانَتْ صراره [صُرَرُهُ‏] مَا بَيْنَ الثَّلَاثِمِائَةِ إِلَى المائتين [الْمِائَتَيْ‏] دِينَارٍ فَكَانَتْ صرار [صُرَرُ] مُوسَى مَثَلاً". [٧٩]

ومنها: ما روي عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «جَاءَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَ قَدِ اِعْتَمَرْنَا عُمْرَةَ رَجَبٍ وَ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُ بَغْدَادَ وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُوَدِّعَ عَمِّي أَبَا اَلْحَسَنِ يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَذْهَبَ مَعِي إِلَيْهِ فَخَرَجْتُ مَعَهُ نَحْوَ أَخِي وَ هُوَ فِي دَارِهِ اَلَّتِي بِالْحَوْبَةِ وَ ذَلِكَ بَعْدَ اَلْمَغْرِبِ بِقَلِيلٍ فَضَرَبْتُ اَلْبَابَ فَأَجَابَنِي أَخِي فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ عَلِيٌّ فَقَالَ هُوَ ذَا أَخْرُجُ وَ كَانَ بَطِيءَ اَلْوُضُوءِ فَقُلْتُ اَلْعَجَلَ قَالَ وَ أَعْجَلُ فَخَرَجَ وَ عَلَيْهِ إِزَارٌ مُمَشَّقٌ قَدْ عَقَدَهُ فِي عُنُقِهِ حَتَّى قَعَدَ تَحْتَ عَتَبَةِ اَلْبَابِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ قُلْتُ قَدْ جِئْتُكَ فِي أَمْرٍ إِنْ تَرَهُ صَوَاباً فَاللَّهُ وَفَّقَ لَهُ وَ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَمَا أَكْثَرَ مَا نُخْطِئُ قَالَ وَ مَا هُوَ قُلْتُ هَذَا اِبْنُ أَخِيكَ يُرِيدُ أَنْ يُوَدِّعَكَ وَ يَخْرُجَ إِلَى بَغْدَادَ فَقَالَ لِيَ اُدْعُهُ فَدَعَوْتُهُ وَ كَانَ مُتَنَحِّياً فَدَنَا مِنْهُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَوْصِنِي فَقَالَ أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اَللَّهَ فِي دَمِي فَقَالَ مُجِيباً لَهُ مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ فَعَلَ اَللَّهُ بِهِ وَ جَعَلَ يَدْعُو عَلَى مَنْ يُرِيدُهُ بِسُوءٍ ثُمَّ عَادَ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ فَقَالَ يَا عَمِّ أَوْصِنِي فَقَالَ أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اَللَّهَ فِي دَمِي فَقَالَ مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ فَعَلَ اَللَّهُ بِهِ وَ فَعَلَ ثُمَّ عَادَ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ يَا عَمِّ أَوْصِنِي فَقَالَ أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اَللَّهَ فِي دَمِي فَدَعَا عَلَى مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْهُ وَ مَضَيْتُ مَعَهُ فَقَالَ لِي أَخِي يَا عَلِيُّ مَكَانَكَ فَقُمْتُ مَكَانِي فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ ثُمَّ دَعَانِي فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ فَتَنَاوَلَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَعْطَانِيهَا وَ قَالَ قُلْ لاِبْنِ أَخِيكَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى سَفَرِهِ قَالَ عَلِيٌّ فَأَخَذْتُهَا فَأَدْرَجْتُهَا فِي حَاشِيَةِ رِدَائِي ثُمَّ نَاوَلَنِي مِائَةً أُخْرَى وَ قَالَ أَعْطِهِ أَيْضاً ثُمَّ نَاوَلَنِي صُرَّةً أُخْرَى وَ قَالَ أَعْطِهِ أَيْضاً فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِذَا كُنْتَ تَخَافُ مِنْهُ مِثْلَ اَلَّذِي ذَكَرْتَ فَلِمَ تُعِينُهُ عَلَى نَفْسِكَ فَقَالَ إِذَا وَصَلْتُهُ وَ قَطَعَنِي قَطَعَ اَللَّهُ أَجَلَهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِخَدَّةَ أَدَمٍ فِيهَا ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَضَحٍ وَ قَالَ أَعْطِهِ هَذِهِ أَيْضاً قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَأَعْطَيْتُهُ اَلْمِائَةَ اَلْأُولَى فَفَرِحَ بِهَا فَرَحاً شَدِيداً وَ دَعَا لِعَمِّهِ ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ اَلثَّانِيَةَ وَ اَلثَّالِثَةَ فَفَرِحَ بِهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَرْجِعُ وَ لاَ يَخْرُجُ ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ اَلثَّلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلاَفَةِ وَ قَالَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَتَيْنِ حَتَّى رَأَيْتُ عَمِّي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِالْخِلاَفَةِ فَأَرْسَلَ هَارُونُ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَمَاهُ اَللَّهُ بِالذُّبَحَةِ فَمَا نَظَرَ مِنْهَا إِلَى دِرْهَمٍ وَ لاَ مَسَّهُ» [٨٠]

ومنها: ما في كشف الغمة في ذكر مناقب الإمام الكاظم (ع): ".. وكَانَ أَوْصَلَ النَّاسِ لِأَهْلِهِ ورَحِمِهِ وكَانَ يَتَفَقَّدُ فُقَرَاءَ الْمَدِينَةِ فِي اللَّيْلِ فَيَحْمِلُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنَ‏ والْوَرِقَ والدَّقِيقَ والتَّمْرَ فَيُوصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ ولَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هُوَ"[٨١]

يتبين من هذه الشّواهد عدم تماميّة هذا الرّأي، وأنَّه لم يكن الإمام الكاظم(ع) في ضائقة ماليّة بحيث جعلته لا يستطيع تزويج السّيّدة المعصومة -كما ذكر صاحب هذا الرّأي -، بل الشّواهد على خلاف ذلك وأنّ الإمام هو الّذي يعطي ويُعين الآخرين.

الرَّأي الثَّاني: أنَّ الإمام الكاظم(ع) هو الّذي أوصى بعدم زواج بناته؛ استناداً لما نُقل: "وأوصى موسى بن جعفر(ع) ألّا تتزوّج بناته، فلم تتزوّج واحدة منهن إلّا أم سلمة، فإنّها تزوّجت بمصر، تزوّجها القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد، فجرى في هذا بينه وبين أهله شيء شديد، حتَّى حلف أنّه ما كشف لها كنفاً، وأنّه ما أراد إلّا أن يحجّ بها [٨٢]

فإذا كان كذلك فقد عملت السّيّدة المعصومة بوصيّة أبيها ولم تتزوّج.

وفيه:

أوّلاً: مناقشة سنديّة؛ فما ينقله اليعقوبي ليس بحجّة؛ إذ إنَّ في تاريخه الغثّ والسّمين؛ لأنَّه يروي عن المتّهمين بالكذب مثل: وهب بن وهب أكذب البرية، وهو قاضي المدينة المولى من قبل الرّشيد، بل قد روى عمّن لم يدركهم، ولا يبالي عمّن روى وكيف روى، فلا يُطمأن بما ينقله، خصوصاً إذا انفرد به وكان ما انفرد به أمراً عقديّاً.

ثانياً: لا نسلّم أنَّه أوصى بناته بعدم الزّواج وهو الإمام المفترض الطّاعة، ومحط أنظار الشّيعة وقدوتهم، وبالتّالي قد يتصوَّر كثير من النّاس أنَّ ما فعله دليل على عدم راجحيّة النّكاح، والقول -بأنَّ فعله أعمّ من كونه دالّاً على عدم المرجوحيّة فهو دقّة عقليّة وفهم غير عرفيّ- لا يصغى إليه.

ثالثاً: هو معارض بما رواه الکلينيّ في الکافي الشّريف عن الإمام الكاظم(ع) في وصيّته: «... وَإِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ إِلَى عَلِيٍّ ... وَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ – أولاد الإمام الكاظم - أَنْ يُزَوِّجَ أُخْتَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ -الإمام الرّضا - وَأَمْرِهِ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ» [٨٣]

وبما في عيون أخبار الرّضا من وصية الإمام الكاظم(ع)؛ فقد جاء ما مضمونه: أنّه من تتزوّج من بناته فليس لها حظّ من صدقة كان قد جعلها للمساكين من ولده، فإن عادت بغير زوج فإنّها تأخذ من تلك الصّدقة أيضاً. [٨٤]

رابعاً: يمكن أن يقال -بعد التّسليم بما ذكره اليعقوبيّ-: إنّ الوصيّة بعدم الزّواج مطلقة، ورواية الكافي خصّصتها بالإمام الرّضا(ع) فيمكن الجمع بينهما.

أو يقال – كما ذكره بعض العلماء-: بأنّ السّبب في وصيّة الإمام هو أن يتأكّد من تزويجهنّ بالأكفأ؛ فتزويجهنّ بغير الأكفأ قد يترتّب عليه مفاسد خطيرة.

الرّأي الثّالث: لم تتزوّج بسبب الظّروف والأوضاع السياسيّة، الّتي كان يعيشها أهل البيتi آنذاك، خصوصاً زمان الإمام الكاظم(ع)، وما كان يعيشه من اضطهاد ومضايقة، "حيث إنَّ الخوف والحصار الّذي أثارته سلطة هارون كان نوعاً من التّضييق؛ فلم يكن لأيِّ شخص الاتّصال بتلك الأسرة أو الدّخول إلّا متستّراً ومتنكّراً، كيف والحال هذه أن تكون لديهم الجرأة على خُطبة بنات الكاظم عليه السّلام ومصاهرته؟!؛ لأنَّ من يقدم على ذلك سيعرّض نفسه للمضايقات وغضب السّلطة في ظلِّ حكم الطّاغوت"[٨٥]

وفيه:

أوّلاً: يلزم منه أنَّ كثيراً من أبناء المعصومين والصّلحاء لا يتزوّجون؛ إذ إنَّ هذا الاحتمال موجود في أغلب مراحل حياتهم كما نشاهده بالوجدان.

ثانياً: لو سلّم، فإنَّه يتمُّ في فترة حياة الإمام الكاظم(ع)، وأمَّا بعد استشهاد الكاظم(ع) فإنَّ التَّاريخ يحدِّثنا بأنَّ العباسيِّين كانوا في صراع على الحكم، ولذا أظهر الإمام الرِّضا(ع) إمامته علانية، وهو ما كان يخفيه الإمام الكاظم(ع)، كما في الرّواية الّتي ينقلها الشّيخ المفيد في إرشاده: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: «لَمَّا مَضَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَكَلَّمَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ خِفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ قَدْ أَظْهَرْتَ أَمْراً عَظِيماً وَ إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ هَذَا اَلطَّاغِيَةَ فَقَالَ لِيَجْهَدْ جَهْدَهُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ» [٨٦]

الرَّأي الرَّابع: لم تتزوَّج لعدم الكفؤ؛ فالمكانة السَّامية الرَّفيعة الّتي تتمتَّع بها السّيّدة الجليلة فرضت عدم وجود زوج يكون كفواً لها، (إنَّ بنات الكاظم عليه السّلام، وخاصّة السّيّدة المعصومة عليها السّلام في مستوى الكمال؛ حيث لا يتوفَّر من هو كفؤ؛ ليكون زوجاً لها، وقد أوصى الإمام الكاظم عليه السّلام، بأنَّ الزَّواج بيد الإمام الرّضا عليه السّلام وقبوله في حال أردن الزّواج، كما وتدلُّ الوصية دلالة أخرى، بأنَّه يجب توفُّر الزَّوج المناسب والكفؤ لهنَّ، حيث قال الإمام الصّادق(ع) فيما يخصُّ الزَّهراء(ع): «لَوْلاَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَةَ كُفْؤٌ عَلَى ظَهْرِ اَلْأَرْضِ، مِنْ آدَمَ فَمَا دُونَهُ»[٨٧]

وفيه: أنَّ السّيّدة الجليلة وإن كان لا كفو لها بمستواها من الكمال في ذلك الزّمان بلا شكٍّ ولا ريب، إلّا أنَّه لا يلزم أنّها لا تتزوّج، وإلّا فالإشكال جارٍ في معظم المعصومين، فلا يتزوجون بسبب عدم الكفؤ، فلا دليل على أنَّها لم تتزوَّج بسبب عدم الكفؤ، بل الدليل قائم على حصول الزواج من غير الكفؤ؛ فنحن نرى بعض المعصومين قد تزوّجوا بمن هو ليس بكفؤ لهم، مع قطع النَّظر عن مسألة ملاك المصالح والمفاسد في زواجهم، فأربع من نساء الأنبياء واثنتان من أزواج الأئمَّة -كما يحدّثنا التّاريخ- خير شاهد على ذلك.

الرَّأي الخامس: لم تتزوَّج لقصر مدَّة حياتها، ولأنَّها عالمة بذلك فلم تتزوّج، "إنّها وأباها وأخاها يعلمون أنّ عمرها قصير، وهذا الأمر لم يرغّبها في الزّواج"[٨٨]

وفيه:

أوّلاً: علمها وعلم أبيها وأخيها (ع) لا يمنعها من الزّواج، ولا يلازم خلق حالة عدم الرّغبة عندها، وإلّا كان على المعصومين الّذين يعلمون بقصر حياتهم ألّا يرغبوا في الطّاعات؛ وذلك لأنَّ الزّواج من المستحبّات الأكيدة، ومصداق واضح من مصاديق الطّاعات، فإذا قلنا بأنَّ السّيّدة الجليلة لأجل علمها بقصر عمرها لم ترغب في هذا المستحبّ الأكيد والطّاعة، يلزم منه أن يكون المعصومون كذلك، واللازم باطل؛ وذلك لأنَّ بعض المعصومين رغم علمهم بقصر حياتهم، إلّا أنَّ ذلك لم يثنهم عن فعل الطّاعات والتّقرّب من الله تعالى.

فالملزوم -وهو أنًّ السّيّدة لم ترغب في الزّواج لعلمها بقصر عمرها- مثل اللازم في البطلان.

ثانياً: لا يوجد دليل ونصٌّ على أنَّها لم تتزوَّج بسبب علمها بقرب أجلها، بل توجد بعض الشّواهد في حياة بعض المعصومين تدلُّ على خلاف ذلك؛ فإنَّ السّيّدة الزّهراء عليها السّلام تزوّجت مبكراً، مع علمها بوقت استشهادها، ومع ذلك لم يمنعها من الزّواج، ومقامنا أولى؛ حيث إنَّ السّيّدة الجليلة -على بعض النّقولات- توفيت في عمر الثّامنة والعشرين، والسّيّدة الزهراء عليها السّلام -على القول المعروف- كان عمرها ثمانية عشر عاماً يوم استشهادها.

ثالثاً: أهل بيت العصمة والطّهارة لا يحرّكهم إلا رضا الله وغضبه، لا الأهواء النّفسيّة والرّغبات، فما يرون لله فيه رضا وخالف رغبتهم أقدموا عليه ولا تأخذهم في الله لومة لائم، وما رأوا فيه غضب الله وكانت النّفس الإنسانيّة ترغب فيه اجتنبوه وابتعدوا عنه.

الرَّأي السَّادس: الظّروف السّيّئة التي عاشها العلويّون آنذاك، ألقت بظلالها على حياة السّيّدة الجليلة، فعانت ما عانت من الويلات والمصائب مع أهلها، من تقتيل وتشريد وسجن وإقصاء وتنكيل، فكانوا يتخفّون عن أنظار النّاس ويخفون نسبهم؛ حذراً من استهدافهم من قبل أجهزة السّلطة العباسيّة آنذاك، فكانوا في تقيّة شديدة بحيث لا يظهرون عقيدتهم، وهذا ما دعاها لأن تعزف عن الزّواج. هذا القول لأحد الباحثين قال: "... لما شاهدته ورأته من أهوال وكروب جرت على أبيها وبني عمومتها من قتل وتشريد وسجن، كلّ هذا جعلها تعزف عن التّفكير في الزّواج"[٨٩].

وفيه:

أوّلاً: الظّروف السّيّئة والمحاربة والتّضييق والتّشريد أصبح أشبه بالأصل، والغالب في سيرة المعصومين والمصلحين والشّيعة، فهل قلَّ الأمر على العلويين والشّيعة في زمن الخلفاء؟ أم في دولة بني أميّة؟ أم بني مروان؟ أم بني العبّاس؟ أم الدولة الثّمانية؟ أم الدّول الظّالمة الآن؟

فما ذكر من مانع لا يعتبر مانعاً عن زواج السّيّدة الجليلة.

ثانياً: لا يوجد دليل على هذا التّحليل المذكور، بل يوجد ما هو مخالف لما ذكر، فما جرى في كربلاء من مأساة هل هناك فاجعة أعظم منها؟ فهل منعت نساء بني هاشم من الزّواج؟ كلّا، لم يمنعهم ذلك.

الرأي المختار: بعد اتّضاح المقدِّمات السِّابقة وعدم تماميّة الآراء السّتّة في الاستدلال على عدم زواجهاr، يمكن القول بأنّها تزوَّجت، ولكن لم ينقل التّاريخ ذلك، فليس كلُّ شيءٍ نقله لنا التّاريخ، ولعلَّ ما تعرّض له العلويّون من التّضييق وغيره -الّذي جعله بعضهم مانعاً من زواجها-، يمكن أن يكون المانع من إظهار زواجها، لا أنَّه منعها من الزّواج، وقاعدة لو كان لبان لا تأتي هنا لأنَّه من الواضح عدم وصول كلّ الأحداث التّاريخية بل الواصل منها ربّما -بل محتمل جدّاً- دخلت فيه أيادي الجور والعدوان من أعداء أهل البيت (ع)، فمسألة زواجها وعدم وصول ذلك إلينا ليس ببعيد.

فلا داعي أن نتكلّف ونختلق أعذاراً لعدم زواجها، وأن ننسب إليها ما لا يناسب شأنها، من اتّباعها لرغبتها أو غير ذلك -والعياذ بالله-.

نعم، يمكن أن يقال: بأنَّه يحتمل عدم زواجها، فإنَّ ما ورد في أنَّ الزَّواج نصف الدّين وغيره..، قد يقال بأنه في غير أهل البيت؛ فإنَّ الكامل في دينه لا يحتاج أن يكمل دينه، وأمَّا أنّها خالفت المستحب بذلك فليس معلوماً؛ إذ يمكن القول بأنَّ ملاك عدم الزّواج في ظرفها أعلى من ملاك الزّواج، ولو باحتمال حفظ الدّين والمذهب والشّيعة، لا أنَّه لعدم رغبتها الشّخصيّة -والعياذ بالله-؛ وذلك أنَّها من أهل بيتٍ رضا الله رضاهم وغضب الله غضبهم.

الهوامش

  1. سورة النجم، الآية ٣-٤.
  2. سورة الحشر، الآية ٧.
  3. سورة الحشر، الآية ٧.
  4. سورة الأحزاب، الآية ٣٣.
  5. سورة الشورى، الآية ٢٣.
  6. سورة النساء، الآية ٥٩.
  7. صحيح مسلم، ج٧، ص١٢٣.
  8. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، ج١، ص٦ بإسناد صحيح.
  9. الكافي، ج١، ص٣٦٩، باب في أنّ الأئمّة (ع) بمن يشبهون ممّن مضى.
  10. بحار الأنوار، المجلسي، ج٦٥، ص ٥٥.
  11. سورة إبراهيم، الآية ٣٦.
  12. الطّبقات الكبرى، ابن سعد، ج٤، ص٦٢.
  13. سورة الكهف، الآية ٧٩.
  14. اختيار معرفة الرّجال، ص ١٣٨، الرقم ٢٢١.
  15. مقتل أبي مخنف، ص١٣١.
  16. كامل الزيارات، ص٧٨٦.
  17. موسوعة رسالات إسلاميّة ج ١٥، ص ٦١، كتاب شَهدُ الأرواح، دراسة مختصرة عن حياة السّيّدة المعصومة (ع) وتاريخ قم المقدّسة، السّيّد عادل العلويّ.
  18. مستدرك سفينة البحار، ج٨، ص٢٥٧.
  19. مصباح الزّائر، ص٣٨٢.
  20. كشف الغمّة، ج٣، ص١١١.
  21. دلائل الإمامة، ص٣٠٩.
  22. عيون أخبار الرّضا، ج١، ص١٥.
  23. عيون أخبار الرّضا، ج١، ص١٤-١٧.
  24. تواريخ النّبي والآل، للتّستريّ، ص٦٥.
  25. منتهى الآمال، للقمّيّ، ج٢، ص٣٧٨.
  26. ترجمة تاريخ قمّ: ٢١٥، وعنه في بحار الأنوار: ج٥٧ /٢١٦ ح ٤١.
  27. تاريخ قمّ على ما في البحار: ١٠٢ / ٢٦٧، و ج ٦٠ / ٢١٦ ضمن ح ٤١. وفي ص ٢٢٨ ح ٥٩ عن مجالس المؤمنين للقاضي نور الله التّستريّ باختلاف يسير.
  28. علل الشّرائع، ج١، ص١٧٩.
  29. وسائل الشّيعة، ج٢١، باب ٨٧، باب استحباب إكرام البنت الّتي اسمها فاطمة وترك إهانتها.
  30. بحار الأنوار، ج١٦، ص١٣٠.
  31. سفينة البحار ج٢، ص٤٤٧.
  32. تاريخ قم، ص٩٧، وبحار الأنوار، ج٦٠، ص٢١٤.
  33. التّهذيب، ج ٦، ص ٩٣.
  34. الوافي، ج١٤، ص ١٥٦٢.
  35. روضة المتّقين، ج٥، ص ٤٠٢.
  36. يمكن مراجعة موسوعة رسالات إسلامية ج ١٥، ص ١٥ - ٢٩، كتاب شَهدُ الأرواح، دراسة مختصرة عن حياة السّيّدة المعصومة (ع) وتاريخ قم المقدّسة، السّيّد عادل العلويّ.
  37. موسوعة رسالات إسلاميّة ج ١٥، ص ٦١، كتاب شَهدُ الأرواح، دراسة مختصرة عن حياة السّيّدة المعصومة (ع) وتاريخ قم المقدّسة، السّيّد عادل العلويّ.
  38. ترجمة تاريخ قم: ٢١٥، عنه في بحار الأنوار، ج٩٩، ص٢٦٧، ح٦، وج٥٧، ص٢١٩، وج٤٨، ص ٣١٧.
  39. بحار الأنوار، المجلسيّ، ج٥٧، ص٢٢٨، ح٥٩، عن كتاب مجالس المؤمنين للقاضي نور الله التّستري.
  40. سورة البقرة، الآية ٢٥٥.
  41. سورة يونس، الآية ٣.
  42. سورة مريم، الآية ٨٧.
  43. سورة سبأ، الآية ٢٣.
  44. الدّرّ المنثور، ج٣، ص٧١.
  45. سنن النّسائي، ج١، ص٢١١. صحيح البخاريّ، ج١، ص٨٦ ـ ١١٣.
  46. أمالي الصّدوق، المجلس ٤٠.
  47. المزار الكبير، ص ٢٩٣ – ٣١٤، وعنه البحار، ج١٠٠، ص٣٣٤، ح٣٢.
  48. أدب فناء المقرّبين شرح زيارة الجامعة الكبيرة، ج٧، ص٢٣٠.
  49. كريمة أهل البيت، مهدي بور، ص ٦٣ و ٦٤، نقلا عن كشف اللئالي.
  50. كريمة أهل البيت، مهدي بور، ص ٦٣ و ٦٤، نقلا عن كشف اللئالي.
  51. الاحتجاج، الطبسي، ج٢، ص٣١.
  52. بحار الأنوار، المجلسي، ج٤٣، ص٢٠.
  53. موسوعة الغدير، الأميني، ج١، ص١٠٧.
  54. موسوعة الغدير، الأميني، ج١، ص١٠٧.
  55. العوالم، للبحرانيّ، ج٢١، ص٣٥٤.
  56. بحار الأنوار، المجلسي، ج٦٨، ص٧٦.
  57. بحار الأنوار، المجلسي، ج٩٩ ص٢٦٥ ح٤، ومستدرك الوسائل، النوري، ج١٠، ص ٣٦٨، ح٣.
  58. آمالي الصّدوق، ص٥٦١.
  59. سورة النور، الآية ٣٦.
  60. ناسخ التّواريخ، ج٧، ص٣٣٧.
  61. بحار الأنوار، ج٩٩، ص٣١، باب فضل زيارة إمام الإنس والجن أبي الحسن، ح١.
  62. بحار الأنوار، ج٩٩، ص٣١، باب فضل زيارة إمام الإنس والجن أبي الحسن، ح٢.
  63. عيون أخبار الرّضا، ج٢، ص٢٦٢.
  64. كامل الزّيارات، ص٣٢٤، ح١، ثواب الأعمال، ص٩٨، عيون أخبار الرّضا×، ج٢، ص٢٦٧.
  65. بحار الأنوار، المجلسي، ج١٠٢، ص٢٦٥، ح٤.
  66. تحفة الزّائر، ص٥٣٥.
  67. كامل الزّيارات، ابن قولويه، ص٣٢٤، ح٢.
  68. موسوعة رسالات إسلاميّة، ج ١٥، ص ٨٥، كتاب شَهدُ الأرواح، دراسة مختصرة عن حياة السّيّدة المعصومة (ع) وتاريخ قم المقدّسة، السّيّد عادل العلوي.
  69. عن كتاب: (بعض مثالب النّواصب) المعروف بكتاب (النّقض)، ص ٦٤٣ لمؤلفه: عبد الجليل القزوينيّ الرّازي، وقد ألفّه في عام ٦٥٠ هـ.
  70. الدائرة الاصطفائيّة الثّانية لأهل البيت (ع)، أبوالفضل العبّاس أنموذجاً، الشيخ محمد سند، ج٢، ص٥٥.
  71. [١]
  72. الكافي (ط- الإسلاميّة)، ج‏٥، ص٣٢٩، باب كراهة العزبة.
  73. موسوعة السّيّد الخوئي، ج٣٢، ص٣.
  74. سورة النور، الآية ٣٢.
  75. الكافي (ط - الإسلاميّة) / ج‏٥ / ٣٢٩ / باب كراهة العزبة ..... ص: ٣٢٨.
  76. بحار الأنوار، للمجلسيّ، ج٤٤، ص٢٥٨.
  77. بحار الأنوار، للمجلسيّ، ج٤٦، ص٣٥٦
  78. عيون أخبار الرّضا، للشّيخ الصّدوق، ج٢، ص٨٥.
  79. بحار الأنوار (ط - بيروت)، المجلسي، ج‏٤٨، ص١٠٤.
  80. الكافي (ط - الإسلاميّة)، الكلينيّ، ج‏١، ص٤٨٥، ٤٨٦.
  81. كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة)،بهاء الدين الإربلي، ج‏٢، ص: ٢٢٨.
  82. تاريخ اليعقوبي، أبوالعبّاس اليعقوبي، ج٢، ص٤١٤.
  83. الكافي (ط - الإسلاميّة)، الكلينيّ، ج‏١، ص٣١٦، ٣١٧.
  84. عيون أخبار الرّضا، ج١، ص٣٧.
  85. حياة كريمة أهل البيت (بالفارسي)، لمحمّد مهدي اشتهاري، ص١٥٤.
  86. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشّيخ المفيد، ج‏٢، ص٢٥٥.
  87. بحار الأنوار، المجلسيّ، ج٤٣، ص١٠٧. انوار براكنده(فارسى)، لمحمّد مهدي فقيه محمّدي جلاليّ، ج١،ص١٤٤.
  88. نفحات من حياة السّيّدة المعصومة(ع)، المرزوق، ص٥٤.
  89. نفحات من حياة السّيّدة المعصومة(ع)، المرزوق، ص٥٤.