صفات الله

من إمامةبيديا
(بالتحويل من صفات الله تعالى)

تمهيد

الصفات التي يتّصف بها الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين:

أوّلاً: الصفات الثبوتية

وهي الصفات التي تثبت لله تعالى، منها:

ثانياً: الصفات السلبية

وهي الصفات التي تنفى عن الله تعالى منها:

وتسمية كلّ مجموعة من هذه الصفات واضحة بأدنى تأمّل. والجدير بالذكر أنَّ حصر هذه الصفات في الأعداد المذكورة لم يرد في نصّ صريح من القرآن أو السنّة، وإنّما وردت الإشارة إلى كلّ صفة منها في آية أو حديث. ولكي تتمّ الإحاطة بجميع جوانب البحث لابدّ لنا أن نناقش المسائل الآتية:

أوّلاً: هل يجوز إطلاق الصفة على الله؟

ولكنّ هناك من يعترض على إطلاق لفظ «الصفة» على الله تعالى، كابن حزم الظاهري[١] الذي يرى أنّ هذا اللفظ لم يرد في القرآن ولا في السنّة ولا عن الصحابة والتابعين، وأنّه بدعة منكرة اخترعها المعتزلة وبعض الفرق الأخرى. لكنّ هذا الرأي لا يستند إلى دليل علمي دقيق، بل هو مجرّد تمسّك بظاهر الألفاظ دون النظر إلى معانيها ومدلولاتها. فالله تعالى وصف نفسه في القرآن بأنّه الرحمن، الرحيم، ربّ العالمين، الصمد، الخالق، الرزّاق، الغفور، شديد العقاب، فالق الحب والنوى ... إلخ. فهذه كلّها صفات لله تعالى، ولا يوجد في اللغة لفظ آخر يغني عن تسميّتها بالصفات. فلا داعي للتخوّف والجمود وحصر العقل في إطار الألفاظ دون النظر إلى معانيها ومقاصدها.

ثانياً: هل إنّ صفات الله توقيفية؟

الله سبحانه وتعالى له صفات كثيرة، وقد اختلف العلماء في كيفية معرفة هذه الصفات، هل يمكن لعقولنا أن تدركها وتميّز بين صفات الكمال وصفات النقص؟ أم أنّ علينا أن نتّبع ما ورد في الشرع فقط؟ فذهب بعض علماء الكلام إلى أنّ عقولنا قاصرة عن إدراك صفات الله تعالى، وأنّ علينا أن نثبت لله الصفات التي وردت في القرآن أو في كلام النبي وأهل بيته (ع)، وأن نتوقّف عمّا لم يرد فيه نصّ لا نفياً ولا إثباتاً. وهناك آيات في القرآن تشير إلى هذا المعنى، مثل قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ[٢]، وقوله: ﴿سُبْحَنَهُ وتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوا كَبِيرًا[٣]. وهكذا كلّ الآيات التي تبدأ بكلمة «سبحان» و«تعالى» كقوله: ﴿فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ[٤]. كما أنَّ هناك روايات عن أهل البيت (ع) تنهى عن وصف الله بغير ما وصف به نفسه، كما في باب مخصّص لذلك في كتاب الكافي للشيخ الكليني[٥]. لكنّ بالنظر الدقيق يتبيّن أنّ هذه الروايات إنّما جاءت للردّ على بعض المسلمين الذين كانوا يصفون الله بصفات لا تليق به ولا توافق العقل والمنطق، بدون علم ولا برهان. فأراد الإمام (ع) ردعهم وإرجاعهم إلى ما جاء في القرآن الكريم، وليس المقصود منع الناس من التفكّر في صفات الله والحديث عنها بما لا يخالف الكتاب والسنّة. بل إنّ الإمام نفسه في إحدى الروايات، عندما سئل عن المذهب الصحيح في التوحيد، كتب في الردّ أنّه: «مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ»[٦]، وأضاف قائلاً: «هُوَ اللَّهُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ»، مع أنّ هاتين الصفتين لم تردا في القرآن. فدلّ ذلك على أنّ المهمّ هو عدم مخالفة الشرع، وليس الاقتصار على الصفات الواردة فيه حصراً. كما أنّ هناك فرقاً بين توقيفية أسماء الله وتوقيفية صفاته، فلو سلّمنا أنّ أسماء الله لا تؤخذ إلّا من الشرع، فلا يعني ذلك أنّ صفاته كذلك. والخلاصة أنّ المؤمن عليه أن يصف الله بما يليق به من صفات الجلال والكمال، مستنيراً بما جاء في الكتاب والسنّة، مجتنباً الوقوع في التشبيه أو التعطيل.

ثالثاً: كيف السبيل إلى معرفة صفاته تعالى؟

يمكننا معرفة صفات الله تعالى، ولكن بطريقة تليق به سبحانه وتعالى. فنحن نعرف الصفات من خلال ما نراه في المخلوقات، لكن لا يمكننا أن ننسب هذه الصفات لله تعالى بنفس الكيفية. فالله تعالى كما يقول القرآن الكريم: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[٧]. وكما ورد في الحديث: «كُلَّ مَا مَيَّزْتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ فِي أَدَقِّ مَعٰانِيهِ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مِثْلُكُمْ مَرْدُودٌ إِلَيْكُمْ، وَ لَعَلَّ النَّمْلِ الصِّغَارِ تَزْعُمُ أَنَّ للهَ زَبَانِيَّتَينِ»[٨]. فهذا قد يجعل البعض يظنّ أنّه لا يمكننا معرفة صفات الله تعالى، وأنّ علينا تجريد الصفات الواردة في الشرع من معانيها أو تأويلها دائماً. لكنّ الأمر ليس كذلك، فنحن لا ننكر أنّ الله تعالى لا يشبهه شيء، ولا يمكننا إدراك كنه ذاته، لكنّ هذا لا يعني نفي كلّ صفة تثبت للمخلوق عن الخالق. فالاختلاف الأساسي بين الخالق والمخلوق يكمن في الوجوب والإمكان، والقِدَم والحدوث، وعدم التناهي والتناهي، والاستناد إلى الذات أو إلى الغير. فمثلاً، الله تعالى عالم، والإنسان عالم أيضاً. فالعلم هو الإحاطة بالشيء وانكشافه. لكنّ علم الله واجب وقديم وغير متناهٍ ويحيط بكلّ شيء، بينما علم الإنسان ممكن وحادث ومحدود. فالله عالم بذاته، أمّا الإنسان فعلمه مستمدّ من غيره. وهذا الاختلاف وحده كافٍ لنفي المماثلة بين الله تعالى ومخلوقاته، دون الحاجة لنفي تشابه الصفات تماماً. فالخلط بين مفهوم الصفة ومصداقها الخارجي هو ما يؤدّي لهذه الشبهة. فمصداق الصفة يختلف بين الخالق والمخلوق بلا شكّ، لكنّ هذا لا يعني أنّ مفهوم الصفة لا ينطبق على الخالق.

رابعاً: ما معنى الصفات السلبية؟

الصفات السلبية هي الصفات التي تنفي النقص والحاجة عن الله تعالى؛ لأنّه سبحانه مصدر كلّ كمال ولا يجوز أن ينسب إليه أيّ نقص. فكما قال الحكيم السبزواري: «إذا اعتقد المكلّف أنّ الله ليس ناقصاً، فهذا يكفي في الصفات السلبية، ولا حاجة لأن يعرف الصفات السبع بالتفصيل؛ لأنّها ترجع إلى صفة واحدة»[٩]. وليس من الضروري أن تبدأ الصفة السلبية بأداة نفي مثل «لا» أو «ليس»، فهذا أوسع من ذلك. فمفاهيم مثل «القدوسية» و«التجرّد» لا تحتوي على أداة نفي، ومع ذلك فهي تفيد نفي النقص والحاجة عن الله تعالى. وقد حاول بعض العلماء أن يجدوا في القرآن الكريم إشارة إلى تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية، فاستشهدوا بقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ والإكرام[١٠]. فاعتبروا أنّ الصفات السلبية يطلق عليها صفات الجلال، بينما الصفات الثبوتية يطلق عليها صفات الجمال التي عبّر عنها في الآية بالإكرام[١١].

خامساً: تقسيم الصفات؟

يمكن تقسيم صفات الله تعالى إلى ثلاثة أقسام كما ذكر العلامة الطباطبائي:

  1. الصفات الذاتية الثبوتية: وهي الصفات التي ترجع إلى وجود الله تعالى، مثل «العلم» و«القدرة» و«الحياة». وهذه الصفات هي عين ذات الله؛ لأنّه منزّه عن الحدّ والقيد والحاجة.
  2. الصفات السلبية: وهي الصفات التي تنفي النقص عن الله تعالى، مثل نفي الجهل والعجز والفناء والحاجة والمعلولية والاضطرار.
  3. الصفات النسبية: وهي الصفات التي تتعلّق بأفعال الله تعالى، مثل الخلق والصنع والإحياء والإماتة والرزق[١٢].

وتنقسم الصفات الثبوتية بدورها إلى:

  • إضافية محضة: كالقادرية.
  • حقيقية محضة: كالحياة.
  • حقيقية ذات إضافة: كالعلم بالغير[١٣].

وهناك تقسيم آخر يقسّم الصفات إلى قسمين فقط:

  1. صفات الذات: وهي الصفات التي لا يمكن أن يتّصف الله بنقيضها أبداً، مثل العلم والقدرة والحياة.
  2. صفات الفعل: وهي الصفات التي يمكن أن يتّصف الله بها في حال وبنقيضها في حال آخر، مثل الخلق والرزق[١٤].

وللعرفاء تقسيمان آخران:

  1. تقسيم الصفات إلى لطفية وقهرية:
  • الصفات اللطفية: مثل الرحمة واللطف والإحسان والمغفرة.
  • الصفات القهرية: مثل الغضب والانتقام والعقاب.
  1. تقسيم الصفات إلى تنزيهية وتشبيهية:
  • الصفات التنزيهية: وهي التي لا نظير لها في غير الله، مثل القدّوسية[١٥] والصمدية والبساطة المحضة والقدم الذاتي.
  • الصفات التشبيهية: وهي التي يوجد نظيرها في المخلوقات أيضاً، مثل السمع والبصر[١٦].

سادساً: هل الصفات عين الذات؟

إنّ مسألة عينية الصفات للذات الإلهية كانت محلّ نقاش وخلاف بين علماء الفرق الإسلامية، وتركّز الخلاف بشكل رئيسي حول موضوع كلام الله تعالى. ويمكن تلخيص هذه المسألة في النقاط التالية:

  1. الصفات السلبية ترجع في الحقيقة إلى الصفات الثبوتية؛ لأنّها تعني نفي النقص عن الله تعالى، ونفي النقص يعني إثبات الكمال، فتأخذ نفس حكم الصفات الثبوتية.
  2. الصفات الإضافية، مثل صفة القادرية، هي زائدة على الذات الإلهية بلا شكّ؛ لأنّها معانٍ اعتبارية ولا يمكن أن تكون ذات الله مصداقاً لأمر اعتباري.
  3. اختلف العلماء في الصفات الحقيقية، سواء كانت محضة أو ذات إضافة، على عدّة أقوال:
    1. إنّها عين الذات، وكلّ صفة منها هي عين الصفات الأخرى[١٧]، وهو الرأي المختار لنا.
    2. إنّها زائدة على الذات ولازمة لها، وهي قديمة بقدم الذات. وهذا منسوب إلى الأشاعرة.
    3. إنّها زائدة على الذات وحادثة. وهذا منسوب إلى الكرامية.
    4. إنّ الذات الإلهية نائبة عن الصفات. وهذا منسوب إلى المعتزلة.
  4. الصفات النسبية أو صفات الفعل، مثل الخلق والرزق، هي خارجة عن الذات الإلهية أيضاً[١٨].

المراجع والمصادر

  1. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية

الهوامش

  1. انظر: تعلیقة العلامة الشعراني علی شرح أصول الكافي للمولی محمد صالح المازندراني ۳: ۳۱۳.
  2. سورة الصافات، الآية ۱۸۰
  3. سورة الإسراء، الآية ۴٣
  4. سورة المؤمنون، الآية ١١۶
  5. ذكر الكليني تحت هذا العنوان اثني عشر حديثاً.
  6. الكافي ١: ١٠٠
  7. سورة الشورى، الآية ١١
  8. الوافي ١: ٤٠٨
  9. أسرار الحكم: ۴۶.
  10. سورة الرحمن، الآية ۷۸
  11. انظر: أسرار الحكم: ۴٨.
  12. انظر: أصول الفلسفة والمنهج الواقعي ۵: ۱۳۸ – ۱۴۳.
  13. انظر: محاضرات العلامة الطباطبایي لطلاب المدرسة المنتظرية في قم: ۸۷.
  14. انظر: البيان في تفسير القرآن: ۴٣٢.
  15. بمعنى تجرّده عن الماهية، إذ كلّ ما سواه محدود بالماهية ومحصور بها.
  16. أشار إلى هذين التقسيمين: الحكيم السبزواري في أسرار الحكم: ۴٨ و ۴٩.
  17. ولا تمايز بينها إلّا بحسب المفهوم. انظر: الميزان في تفسير القرآن ٨: ٣۶٨.
  18. انظر: السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية: ٨٧ - ٩٥.

معرفة الصفات الإلهية

مقالات ذات صلة

المراجع والمصادر

  1. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية

الهوامش