العلم عند أهل السنة
التعريف
المعنى اللغوي
أصل مادة (علم) تدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره [١]، فهو من العلامة والأثر [٢]، والعلم بالشيء: المعرفة، يقال: علم الشيء يعلمه علماً، أي: عرفه، ورجلٌ علامةٌ، أي: كثير العلم، والتاء للمبالغة، واستعلمه الخبر فأعلمه إياه[٣].
المعنى الاصطلاحي
عرف الجرجاني العلم بأنه: «الاعتقاد الجازم المطابق للواقع» [٤].
وعرفه المناوي بأنه: «الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع؛ إذ هو صفةٌ توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، أو هو حصول صورة الشيء في العقل، والأول أخص» [٥].
وقيل: «إدراك الشيء على ما هو به» [٦].
وقولهم: «الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع» يقتضي انطباعاً في العقل بما يكون له أثرٌ وعلامة، كما أن دلالة أنه «صفةٌ توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض» لبيان أن كل علمٍ ينضبط بدقةٍ عالية يتميز من خلالها عن غيره من العلوم والفنون، و«حصول صورة الشيء في العقل» تتطور إلى اعتقاد قلبي ثابت جازم، يطابق ذلك الواقع الذي عليه ذلك الأمر، والله تعالى أعلم.[٧]
العلم في الاستعمال القرآني
وردت مادة (علم) في القرآن الكريم (٧٧٨) مرة[٨].
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة | عدد المرات | المثال |
---|---|---|
الفعل الماضي | ٦٠ | قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ[٩] |
الفعل المضارع | ٣٣٤ | أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ[١٠] |
فعل الأمر | ٣١ | اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[١١] |
اسم الفاعل | ٢٠ | عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[١٢] |
اسم المفعول | ١٤ | وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ[١٣] |
اسم تفضيل | ٤٩ | قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ[١٤] |
مصدر | ١٠٥ | وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً[١٥] |
صيغة مبالغة | وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[١٦] و إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[١٧] |
وجاء العلم في القرآن الكريم بمعناه اللغوي، والذي هو نقيض الجهل [١٨].
قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[١٩] يعني: لا يغيب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض.
ألفاظ ذات الصلة
المعرفة
المعرفة لغةً: العلم، يقال: عرفه بيته، أي: أعلمه بمكانه، وعرفه به، وسمه [٢٠].
المعرفة اصطلاحاً: إدراك الشيء على ما هو به، وهي بذلك ترادف العلم، وقيل: إنها تخالف العلم من كونها تستدعي سبق جهلٍ بخلاف العلم [٢١].
الصلة بين المعرفة والعلم: العلم والمعرفة مترادفان في سياق اللفظ والدلالة، إلا أن فعل العلم يتعدى إلى مفعولين، أما فعل المعرفة فيتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ، كذلك فإنه يجوز أن نقول عن الله تعالى بأنه عالم، ولا يجوز أن نقول عنه عارف؛ إذ إن لفظة عارف -مما يختص بذات الله- لم ترد في القرآن ولا في السنة.
الفقه
الفقه لغةً: «العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين؛ لشرفه» [٢٢].
الفقه اصطلاحاً: هو الإصابة، والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الحكم، وهو علمٌ مستنبطٌ بالرأي والاجتهاد، ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل [٢٣].
الصلة بين الفقه والعلم: الفقه أخص من العلم؛ إذ إن العلم دالٌ على كل ما له أثرٌ وعلامةٌ فيدرك على ما هو عليه، أما الفقه فيختص بما يستنبط بالرأي والاجتهاد، وما يحتاج إلى التأمل والنظر[٢٤].
اليقين
اليقين لغة: الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع [٢٥].
اليقين اصطلاحاً: من صفة العلم، فوق المعرفة والدراية وأخواتهما، يقال: علم يقينٍ، ولا يقال: معرفة يقينٍ، وهو سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به مع ثبات الحكم [٢٦].
وقيل: «العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكاً فيه؛ ولذلك لا يطلق على علمه تعالى» [٢٧].
الصلة بين اليقين والعلم: اليقين والعلم مترادفان في الدلالة، غير أنهما يفترقان في سياق اللفظ، فاليقين يقتضي شكاً مسبقاً تم إزالته، ومن ثم إدراكه على ما هو به، وأما العلم فلا يقتضي سبق شكٍ؛ إذ إنه يدل فقط على الإحاطة بالأمر على ما هو به.
الجهل
الجهل لغة: ضد العلم، وتجاهل: أظهر الجهل وهو ليس بجاهل، واستجهله: عده جاهلاً واستخفه، والجهالة: أن تفعل فعلاً بغير علم، وجهلت الشيء: إذا لم تعرفه، والجاهل: ضد العاقل، والجهل: ضد الخبرة، والجاهلية: زمن الفترة، وهي حال العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه ورسوله وشرائع الدين، وما كانوا عليه من المفاخرة بالأنساب، والكبر والتجبر وغير ذلك من الأخلاق المذمومة [٢٨].
الجهل اصطلاحاً: «أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه» [٢٩].
الصلة بين الجهل والعلم: العلم والجهل مصطلحان متضادان من حيث المعنى والدلالة.
العلم بالخلق في القرآن
جاء العلم مقترناً بالخلق في عدة مواضع في القرآن الكريم. قال الله تعالى: خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ[٣٠].
حيث بين سبحانه ما صنعه المليك المقتدر من النعم لعباده؛ رحمة بهم، وإن هذه الآيات هي صدر سورة الرحمن التي هي خطاب لبني آدم أو لمشركي العرب، وهي تخاطب الثقلين من إنس وجن، فأفاد:
- أنه علم القرآن وأحكام الشرائع؛ لهداية الخلق، وإتمام سعادتهم في معاشهم ومعادهم، ويلاحظ في هذه الآيات أن الله تعالى أنعم على الإنسان بتعلم القرآن.
- وأنه خلق الإنسان على أحسن تقويم، وكمله بالعقل والمعرفة.
- وأنه علمه النطق وإفهام غيره، ولا يتم هذا إلا بنفس وعقل؛ لما في ذلك من إشارة إلى أن الإنسان بعد أن يهتدي إلى الحق قبل خلقه، ويولد على تلك الفطرة، فإن أعظم غايةٍ بعدها هي أن يتواصل مع جميع جنسه من البشر؛ لدعوتهم إلى ربهم، وتذكيرهم بهذا الخالق، ومن ثم بيان الأحكام الشرعية [٣١].
وقال تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[٣٢].
فقد بينت الآيات السابقة نعم الله تعالى في خلق الإنسان، ومراحل ذلك الخلق، ومن ثم خلق الأنعام وبيان بعض فوائدها، وتبين هذه الآية الكريمة ثلاثة أصناف من الدواب وهي: الخيل والبغال والحمير، حيث خلقت لعلة وهي الركوب؛ ليدفع الإنسان بواسطتها عن نفسه ضرر الإعياء والمشقة، وهناك علةٌ أخرى وهي التزين، الحاصل في نفس الأمر ولكنه غير مقصود بالذات.
وفي هذه الآية دلالة على أن هذه الأصناف الثلاثة مخلوقةٌ لمصلحة الركوب في الغالب، ويؤيد هذا إفراد الأنواع الثلاثة بالذكر، وإخراجها عن الأنعام [٣٣].
ثم تأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن الله تعالى يخلق ما لا يحيط على هذا الإنسان به من المخلوقات التي تصلح لعلة الركوب غير ما قد عدده [٣٤].
وفي هذه الآية دليلٌ على أن الله تعالى قادر على أن يخلق كل ما لا يتصور عقل الإنسان في زمانه أو غير زمانه، مما يصلح للركوب وغيره، وأنه يتوجب على المخلوق أن يستيقن أن الله تعالى أكبر وأقدر من تصور العقل القاصر.
وقال تعالى: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ[٣٥].
وقد بينت الآية السابقة الطمع الفارغ الذي اتصف به أولئك الكفار، حيث طمعوا في دخولهم جنة النعيم، دون إيمان منهم بالله تعالى، حيث يقول الله تعالى في هذه الآية -بأسلوب الردع لهم- إنا خلقناهم مما يعلمون مراحله التي يعرفونها [٣٦].
فالكفار -كما كل البشر- خلقوا من نطفة مذرة؛ فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم؟! ويقولون لندخلن الجنة قبل المؤمنين، وفي هذه الآية دلالةٌ على أن الإنسان يجب أن يعرف قدر نفسه، فلا يفتري على الله الكذب وهو يعلم حقيقة خلقه؛ إذ إنه لا يساوي شيئاً إذا فقد ولاية الله تعالى له.
وقال تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ[٣٧].
فقد بينت الآيات السابقة عظيم قدرة الله تعالى في إحياء العظام وهي رميم، فكما أنشأها أول مرة فإنه يحييها مرة أخرى، فهو القادر على كل شيءٍ، وبين دليلاً محسوساً، وهو أنه يجعل من الشجر الأخضر ناراً يوقد الناس منه، وتبين هذه الآية بأسلوب الاستفهام الذي يفيد التقرير فيقول الله تعالى: أوليس الذي خلق هذا الكون الكبير العجيب من سماوات وأرضين مما هو أعظم من خلق الإنسان وإعادته، بقادرٍ على أن يخلق مثل البشر بإحياء عظامهم، ومن ثم دب الروح فيهم؟ وتأتي الإجابة؛ لتقرير حقيقة.
وذلك بما جاء في قوله تعالى: بَلَى وهو كثير الخلق كثير العلم بما يصلح للخلق، ثم تأتي الآية التي بعدها كنتيجة لما سلف، من تقرير واسع قدرته، وإثبات عظيم سلطانه، بقوله: إنما أمر الله سبحانه إذا أراد خلق شيء أن يقول له: كن فيكون، وتختم السورة بتنزيه الله تعالى الذي بيده مقاليد كل شيء، وإليه المرجع والمصير [٣٨].
وقال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ[٣٩].
فقد بينت الآيات السابقة أن الله تعالى من آياته إحياء الأرض بإمطارها، ومن ثم إخراج الثمرات منها، وتفجير العيون بالماء؛ ليأكل الناس من ثمرات النخيل والأعناب، وما تنتجه البساتين من فاكهة، وثمار، وما عملته أيديهم، كل هذا لأجل الشكر لله تعالى وحده، وتأتي هذه الآية؛ لتنزه الله تعالى الذي خلق الأصناف والأنواع -باختلاف الألوان والطعوم والأحجام- والذي خلق أزواجاً من البشر ذكوراً وإناثاً، طوالاً وقصاراً، سماناً وعجافاً، سوداً وبيضاً، حمراً وصفراً، والذي خلق مما لا يعلمه البشر من مخلوقاته جل شأنه في البر والبحر والأرض والسماء وغير ذلك [٤٠].
وفي هذه الآية دلالة على أن خلق الله تعالى غير محصورٍ في أي عقل من العقول، ولا تصور من التصورات؛ إذ إن البشر مهما وصلوا من علم فإنهم لن يتعرفوا على أقل القليل من علم الله تعالى وخلقه.
العلم صفة الله تعالى
إن الله تعالى وصف نفسه في كتابه العزيز بأكثر من صفة دالة على علمه، منها: «عالم، والعليم، والعلام، وأعلم، وعلمناه، ويعلم، وغير ذلك»، كما أن علم الله تعالى لا يشابهه علم، ولا يتخيله عقل؛ إذ إنه مطلق محيط، ينفرد بكنهه رب العزة والجبروت، ومن ثم فإن المتدبر بآيات القرآن الكريم التي بينت علم الله تعالى المطلق ينبغي أن يسلم أمره إلى ربه، لا سيما بعد إذعانه بما لا طاقة له بإدراكه، مما هو مسندٌ إلى ربه من صفات العلم، وغير ذلك.
وسيمثل هذا المبحث توضيحاً لكل ما سبق من خلال النقاط الآتية:
إسناد العلم إلى الله تعالى
وردت آيات عديدة تبين كثيراً من صفاته جل شأنه مما اختصت بالعلم، ومن هذه الآيات:
قال تعالى: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً[٤١].
وقد بينت الآية السابقة أن الله تعالى أمر نبيه محمداً (ص) أن يقول للمشركين -المطالبين بالعذاب استخفافاً وعناداً- ما أدري أقريبٌ ما وعدكم ربكم به من العذاب أم يجعل له ربي غايةً وأجلاً بعيداً يعلمه هو ولا يعلمه غيره، وتأتي هذه الآية؛ لتقرر حقيقةً ألا وهي أن الله تعالى عالم الغيب وحده، ولا يطلع على غيبه أحداً من عباده إلا من رضي ربنا سبحانه وتعالى من رسول أن يبلغ عنه، فإنه يطلعه مع الاحتياط الكافي؛ حتى لا يتسرب الخبر الغيبي إلى الناس [٤٢].
وفي هذه الآية دلالةٌ على أن الله تعالى من أخص خصوصياته علم الغيب؛ إذ إن ذلك العلم لا يمكن أن يصل إليه مخلوق من المخلوقات مهما علت رتبته عند الله تعالى، إلا إذا ارتضى من رسول فإن من خلفه رصداً من الملائكة، ثم يطلعه ضمن الوحي الذي يوحى إليه.
وهذا خلاف لما يمكن أن يقال من بعض الصوفية: إن بعض الصالحين ممن يدعي أنه له مدد الولاية من الرسول (ص) يعطيه الله تعالى الكرامة لأن يطلع على الغيب، ولا شك أن هذا باطل؛ إذ إن ظاهر الآية لا يحتمل ما ذهب إليه أصحاب هذا القول، ولا بوجهٍ من وجوه هذا المعنى، والله أعلم.
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[٤٣].
حيث إن هذه الآيات تأتي في سياق بيان قدرة الله تعالى المطلقة، فيقول الله عز وجل فيها: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»، فقالت الملائكة: يا ربنا أتجعل في هذه الأرض من يرتكب الفساد بأنواعه، ويقتل بسفك الدماء، والحال أننا نصلي لك، ونبرئك من السوء، ونعظمك ونعمل لك كل خيرٍ أردتنا له، ونطهر أنفسنا لك، وعندها جاءت الآية القرآنية؛ لترد على قول الملائكة بأن الله تعالى قطع كلامهم، بأنه علم أنه سينشأ من ذلك الخليفة أنبياء ورسل، وقوم صالحون، وأنه لا يقدر إلا الخير، وهو الذي لربما يغفل عنه المخلوقات، ولربما الملائكة فهو الأعلم بخلقه مما لا تعلمه الملائكة.
ثم يعلمهم الله سبحانه تعالى درساً عملياً في الإذعان له جل جلاله ولأمره، فعلم هذا الخليفة الذي هو آدم (ع) أسماء الخلق كلهم دون أن تعلم الملائكة، ثم حشر الله تعالى الدواب كلها، والسباع والطير وما ذرأ في الأرض.
ثم قال للملائكة: فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[٤٤]. [٤٥]
وفي هذه الآية دلالة على أن الإنسان المسلم ينبغي أن يترجم إسلامه باستسلامه لربه تعالى ولعلمه المطلق، فكلما ازداد العبد ايماناً وتقوىً وطاعةً كلما ازداد إذعاناً وتسليماً، فمهما علم فإنه ما أوتي من العلم إلا القليل، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً[٤٦].
وقال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ[٤٧].
إن هذه الآية تأتي في سياق ذكر قصة النبي داود (ع) فتذكر أن الله تعالى علم ذلك النبي صناعة دروع الحديد؛ لتحفظ أنفسهم في المعارك عند قتال عدوهم، ثم تأتي الفاصلة القرآنية؛ لتسأل سؤالاً غرضه الأمر، فيقول تعالى: فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ أي: اشكروا رب هذه النعم ووحدوه، وتأتي الآية الثانية؛ لتبين أن الله تعالى أعطى لنبيه سليمان (ع) نعمة تسخير الريح، حيث كانت تشتد إذا أراد، وتلين إذا أراد، فتسير بأمر الله تعالى إلى الأرض التي بارك فيها بالماء والشجر والقدسية، وتأتي فاصلة الآية؛ لتبين أن الله تعالى كان بكل شيء من أمر سليمان (ع) وغيره عالماً [٤٨].
وقال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[٤٩].
فقد بينت الآيات الكريمة أن الله تعالى يجمع الرسل يوم القيامة على صعيدٍ واحدٍ، فيسألهم ماذا أجبتم من قبل الناس الذين أرسلتم إليهم، فتكون إجابتهم بكل أدبٍ ونسبٍ للعلم لله تعالى وحده: لا علم لنا إلا علمٌ أنت أعلم به منا [٥٠].
وفي هذه الآية دليلٌ على أن الله تعالى سيسأل الجميع رسلاً كانوا أو مرسلاً إليهم، قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ[٥١].
علم الله المطلق المحيط
وقد برز ذلك واضحاً في آياتٍ، منها:
قال تعالى: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً[٥٢].
وقد بينت الآيات السابقة أنه تعالى لا يظهر على غيبه أحداً، وأنه يختص من ارتضى من الرسل، فيعطيهم من الغيبيات ما يكفيهم لهداية الناس، وإبلاغ شرع الله تعالى، وتأتي هذه الآية؛ لتبين علة إعطاء الرسل هذه المساحة من علم الغيب، وهي إبلاغ رسالات ربهم، فإذا بلغوا علم الله تعالى ذلك، وإن الله تعالى قد أحاط بما لدى هؤلاء الرسل من علم ما عندهم، وعلم عدد كل شيء فلم يخف عليه شيء [٥٣].
وقال تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[٥٤]. أي: قل يا محمد لمن سألك عن الساعة متى هي: لا يعلم غيبها إلا الله تعالى.
وقد أثر عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: «من زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: «لَا يَعْلَمُ» الآية» [٥٥].
وقال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[٥٦].
عن البراء قال: كان أصحاب محمد (ص) إذا كان الرجل صائماً، فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، وجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبةٌ لك، فأصبح صائماً، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي (ص) فنزلت هذه الآية أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ففرحوا بها فرحاً شديداً [٥٧].
وأما قوله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فإن ذلك يبين أن الله تعالى يعلم السر وما هو أخفى منه، وما يجول في النفس، وما يجتهد الإنسان أن يفعله بسبب أو بآخر فإن الله تعالى يعلمه، وقد كان من الصحابةم من يختان نفسه بجماع امراته في الليل، أو في المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراماً ذلك عليهم [٥٨].
المجالات التي ينفرد بها العلم الإلهي
لقد بين القرآن الكريم كثيراً من المجالات التي ينفرد بها العلم الإلهي، ولعل أوضح هذه الآيات قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[٥٩].
فإن هذه الغيبيات الخمسة اختص الله تعالى بعلمها، فلا يعلم أحدٌ غير الله تعالى عن علم الساعة ومتى تقوم، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[٦٠].
فقيام الساعة مختصٌ بعلمه، وموقوف على إرادته [٦١].
ثم تبين هذه الآية اختصاصه جل جلاله بعلم نزول الغيث وتقديره؛ إذ إن الله سبحانه له طلاقة القدرة التي لا تخضع لقوانين الكون، بل يخضعها الله تعالى لتقديره وأمره، فقد تكون كل الظروف مهيأة لنزول الغيث، ولا يقدر الله تعالى ذلك، فلم تلبث أن تكون السماء صافية، وقد يحدث عكس ذلك، وعلى هذا فإن المؤمن يجب أن يوقن من قلبه ويعترف بلسانه ويعمل بجوارحه بمقتضى التسليم لعلم الله تعالى وتقديره.
وتبين الآية الكريمة الغيبية الثالثة، والتي اختصها الله تعالى بعلمه، وهي علمه بما في الأرحام، وهذا لا يعني أن يعلم الله تعالى كون ما في الأرحام ذكراً أو أنثى فحسب؛ إذ إن علم الأرحام أعم من ذلك، فلا يعلم أحدٌ من الخلق هل الجنين شقيٌ أو سعيد؟ وما هو عمله؟ ومتى رزقه؟ ومتى أجله؟ وهل سيولد حياً أو ميتاً؟ حتى معرفة الجنين فقد يقدر الله تعالى خلاف ما يتوقعه أهل العلم، من خلال الأجهزة المتطورة، وما شابه.
ويبين الله تعالى الغيبية الرابعة التي لربما لا ينتبه لها بعض الناس، وهي علم كسب الرزق، وكيف سيكون؟ فالله تعالى قد أقسم في القرآن الكريم أعظم قسم في حق الرزق، فقال تعالى: وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ[٦٢].
وعلى هذا فإن المسلم يجب أن يستيقن من قضية رزقه، وأنه آتٍ لا محالة -وفق ما يقدره الله- غير أن الكمية ومدى كفايتها، ومن أين ستكون؟ وهل ستجعله شقياً أم سعيداً؟ وهل سيكون في ذلك حرجٌ أم لا؟ وغير ذلك من علم الرزق إنما هو من اختصاص الذات الإلهية.
ثم تبين الآية الغيبية الخامسة وهو علم موعد موت الإنسان، وبأي أرض سيموت؟ وهل سيموت على الطاعة أم المعصية؟ وهل سيخلف بعده عملاً صالحاً أم سيئاً؟ وهل سيترك لأولاده ما يتقوون به أم لا؟ وغير ذلك من القضايا المتعلقة بالموت، فإنها كلها من اختصاص علم الله تعالى وتقديره.
ثم تأتي الفاصلة القرآنية إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[٦٣] لتقرر أن الله تعالى متصفٌ بالعلم الذي لا يحده وصفٌ، وبالخبرة التي لا يحدها قدرٌ [٦٤].
وقد وردت آية كريمة ذات صلة بموضوع اختصاص الذات الإلهية بعلم ما في النفس، وهي قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً[٦٥].
عن عبد الله، قال: (إني لمع رسول الله (ص) في حرثٍ بالمدينة، وهو متكئٌ على عسيبٍ، فمر بنا ناسٌ من اليهود، فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفرٌ منهم فقالوا له: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام فأمسك بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه. فأنزل الله عليه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [٦٦].
والمعنى: ويسألك يا محمد (ص) قومك -بإيعازٍ من اليهود- عن حقيقة الروح، قل لهم: الروح من علم ربي، الذي استأثر به، وما أوتيتم من العلم إلا شيئاً قليلاً في جانب علم الله تعالى [٦٧].
الآثار المترتبة على علم الله المطلق
يترتب على علم الله تعالى المطلق آثارٌ، منها:
- معرفة حسن تقدير الله تعالى لما ينفع العباد: وقد برز ذلك واضحاً في قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ[٦٨]. حيث تبين هذه الآية الكريمة أن شر الناس عند الله تعالى من يصم أذنيه عن الهدى، ويخرس لسانه التكلم بخير، ويكون ليس متعقلاً للإيمان وحقيقته، وقد وردت تلك الآية في بني عبد الدار، وغيرهم من الكفار، الذين لم يسلموا بعد، ثم تأتي الآتية؛ لتبين أنه جل جلاله لو علم فيهم صدقاً لأعطاهم الإيمان وأكرمهم به، ولو أكرمهم بالإسلام لأعرضوا عن الإيمان، بما سبق في علم الله تعالى فيهم [٦٩]. وفي هذه الآية دليلٌ على أن الدعوة تقتضي الإعراض والانشغال عمن طبع الله تعالى على قلبه؛ فلا يصغي ولا يتكلم بالحق، فهو لا يسمع آيات الله تعالى سماع تفهمٍ وتبصر، وإن سمعها فإنه يبحث في سماعه هذا عن ثغرةٍ ينال من خلالها من الإسلام.
- الحذر من عقاب الله تعالى: وقد برز ذلك واضحاً في قوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِراً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ[٧٠]. فبعد أن بين الله تعالى في رأس هذه الآية رفع الحرج عن التعريض بخطبة النساء اللاتي في عدة وفاة أزواجهن دون تصريحٍ لهن، وذلك بالنهي عن المواعدة سراً، وتحريم عقدة النكاح قبل انقضاء العدة، ثم عقب ذلك بما جاء في قوله تعالى: «واعلموا» علماً يزول الشك من خلاله أن الله تعالى يعلم ما في أنفسكم فاحذروا أن تتعدوا ما حد لكم؛ فإنه مطلع على ما تسرون وما تعلنون، ثم بينت فاصلة الآية الكريمة أنه لولا مغفرته وحلمه لعنتم غاية العنت؛ فإنه سبحانه مطلعٌ عليكم، يعلم ما في قلوبكم، ويعلم ما تعملون [٧١]. وفي هذه الآية دليل أن الإنسان المؤمن يجب أن يستشعر علم الله تعالى المطلق؛ فيحذر من عقابه وغضبه، فلا يكتم في نفسه إلا كل خير، وفق شرع الله تعالى فضلاً عن القول والعمل.
- الاعتقاد الجازم أن الشدائد المقدرة من الله تعالى خيرٌ للمسلمين: وقد ورد ذلك في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[٧٢]. حيث يبين الله تعالى في هذه الآية فرضية الجهاد، فيأمر -بأسلوب الإلزام الذي يلحق تاركه إثم- المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله تعالى من الكفار، والحال أن هذا الفرض مكروه في الطباع النفسية، لكن عسى أن يكرهوا ما في الجهاد من مشقة، وهو خيرٌ كله، فالمؤمنون بالتزامهم الجهاد يغلبون ويغنمون ويؤجرون، ومن مات فهو شهيدٌ، وعسى أن يحبوا الدعة وترك القتال وهو شرٌ كله، في كون المؤمنين يغلبون ويذلون ويذهب أمرهم [٧٣]. وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن العاقل هو من يستسلم لعلم الله تعالى وتقديره؛ إذ إن علم الإنسان قاصرٌ مهما بلغ من تطور، وفي الآية دليلٌ على أن المسلم ينبغي أن يستشعر بالعجز والتسليم لعلمه تعالى من جهة، وأن يلتزم أمره جل جلاله مهما ظهرت في قشوره الهلكة؛ لأن باطن ذلك الرحمة والخير، ثم إن من رضي بعلم الله تعالى وبما قسمه له فهو من الراضين بقضاء الله تعالى، الذين يستحقون أن يبلغوا المنازل العليا في الجنة.
- تحصين المجتمع المسلم من الفاحشة: وقد ورد ذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[٧٤]. وهذه الآية عامة لكل من يحب أن تذيع وتشتهر الفاحشة والرذيلة في الذين آمنوا وإن كان ظاهر الآية يتحدث عن أم المؤمنين عائشة وصفوان وآل أبي بكرم أجمعين، حينما قال بعض الناس من المؤمنين لبعضهم: أما بلغك كذا وكذا من خبر عائشة، فإن هذه الآية تبين أن هذا له عذاب حد القذف في الدنيا، وعذابٌ في الآخرة وهو النار، وهذا خاصٌ بمن أحب إشاعة الفاحشة، ثم تأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن الله تعالى يعلم براءة عائشة، وأنه خلقها طاهرة طيبة؛ حتى إن لم يعلم الجميع فإن الله تعالى وحده هو الذي يعلم [٧٥].
العلم وصف للمخلوقات
إن الله تعالى قد وصف المخلوقات من الملائكة والرسل والمؤمنين والجن والشياطين بأنهم يعلمون؛ فمنهم يَعْلَمُ ويُعَلِّمُ سواء أكان هذا العلم خيراً كما عند الملائكة والنبيين والمؤمنين، أو كان هذا العلم شراً كعلم الشياطين، أو كان متوقفاً على ضابطٍ يحله أو يحرمه، كعلم الجن، ثم جاء في وصف المخلوقات من الحيوانات والطيور أنهم يسبحون ولا يعلم أحدٌ تسبيحهم إلا الله تعالى.
وسيتم الحديث عنها من خلال النقاط الآتية:
الملائكة
وقد برز ذلك واضحاً في آيات، منها: قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[٧٦].
فإن هذه الآية الكريمة تبين عظيم تأدب الملائكة مع ربهم جل شأنه؛ حيث ينزهون الله تعالى عن أن يعلم الغيب أحدٌ سواه، وهذا جوابٌ عن قوله: أَنْبِئُونِي في الآية السابقة، فقد أجابوا بأنهم لا يعلمون إلا بما أعلمهم به، ولا يتعاطون بما لا علم لهم به كما يفعله بعض الجهال [٧٧].
وفي الآية دليلٌ على أنه يتوجب على من يسأل عن علمٍ لا يعلمه أن يقول: الله أعلم ولا أدري، اقتداءً بالملائكة [٧٨]، كما أنه يستفاد بأن الملائكة لما علمت عجزها عن الإنباء بأسماء الخلق كلهم من دواب، وطيور وغيرهم، عندها بدأت الملائكة جوابها لله تعالى بتنزيهه عن كل نقص، فهو الذي لا يعجزه شيء، ومن ثم فإن أي علمٍ أو قدرةٍ أو تقديرٍ وصلت الملائكة إليه، إنما هو مما علمهم الله تعالى وقدرهم له، ومما أعطاهم الله تعالى به من وجوه الاستطاعة.
وقال تعالى: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ[٧٩].
وفي هذه الآية إخبارٌ عن الملائكة، بأنه ما منهم ملكٌ إلا له مكانٌ في السماوات مخصوص، يعبد الله تعالى فيه، وعلى هذا فإن المعلوم هنا يعني المخصوص؛ حيث يضاف إلى استعمالات العلم في القرآن الكريم هذا المعنى [٨٠].
وفي الآية دليلٌ على أن الملائكة لهم تخصصات في العمل، ومقامات في المرتبة، وهم جنود الله تعالى العظماء الذين هم أكثر الخلق -فيما نعلم- عبادةً لله تعالى، والتزاماً بأوامره، وانضباطاً بما يوضعون به من مكان، أو مهام.
وقال تعالى: يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[٨١].
وفي هذه الآية تعجب من حال المكذبين بيوم الدين، فكيف يكذبون بيوم الدين، وهو يوم الحساب والجزاء؟! وملائكة الله تعالى موكلون بكم، يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا عليها يوم القيامة [٨٢].
وفي هذه الآيات دلالةٌ على وجوب الاستشعار بجنود الله تعالى مما يحمل ذلك المسلم على مزيد من الخوف من الله تعالى، فإذا كان على يقينٍ بأنه مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[٨٣]، فعندها يتقرب إلى الله تعالى، ويرتدع عن فعل المنكرات فضلاً عن القول بها، فلا يتفاجأ ذلك المسلم الذي يراقب الله تعالى في كل حركة من حركاته، وفي كل سكنة من سكناته حينما ينصب الميزان، ويوضع الكتاب، فيقول أولئك الموحدون الذين استحقوا دخول الجنة برحمةٍ من الله تعالى حال ندائهم لأصحاب النار: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[٨٤].
أما المجرمون فإن المفاجأة تتملكهم حين ينصب الميزان، ويوضع الكتاب؛ إذ إنهم كانوا لا يستشعرون جنود الله تعالى الملائكة الحافظين، وعندها يقول هؤلاء المجرمون: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً[٨٥].
ولا شك أن هذا الكتاب قد أحصى كل شيء بتقدير الله تعالى وعلمه؛ إذ إن الله تعالى سخر جنوداً لذلك، هم الملائكة الذين هم موكلون بذلك.
الرسل
وقد ورد في القرآن الكريم نماذج من الأنبياء والمرسلين الذين آتاهم الله تعالى علماً يكفيهم لتبليغ رسالة الله تعالى، ومن هؤلاء الأنبياء الذين ورد ذكرهم ما يأتي:
- أبو البشر آدم (ص): ومنه قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[٨٦]. حيث تفصل هذه الآية الكريمة ما أجمله قوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[٨٧]. في الآية السابقة حين أجاب الملائكة عن حكمة خلق آدم؛ فتبين هذه الآية أن الله تعالى علمه الأسماء كلها مما فيه معرفة للخلق من حيوان ودواب وكافة المخلوقات على الأرض، ثم عرضهم على الملائكة؛ ليظهر بذلك كمال فضل آدم (ع)، وقصور الملائكة عنه في العلم الذي أعطاه الله لهم، فيتأكد ذلك الجواب الإجمالي في الآية السابقة بهذا الجواب التفصيلي في هذه الآية [٨٨].
- أبو الأنبياء إبراهيم (ع): ومنه قوله تعالى: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياً[٨٩]. أي: إني قد آتاني الله تعالى من العلم -أي: من اليقين والمعرفة بالله وما يكون بعد الموت- ما لم يؤتك به فاقبل مني نصيحتي؛ حتى تبصر هدي الطريق المستوي، الذي لا تضل فيه إن لزمت، وهو الدين الذي لا اعوجاج فيه [٩٠]. وفي هذه الآية دليلٌ على أن الداعية إذا كان عالما في مسائل الدين ينبغي أن ينبه الناس بهذه المسائل، ويحذرهم من مغبة الحيد عنها، واتباع الشيطان.
- ّّلوط (ع): ومنه قوله تعالى: وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ[٩١]. حيث تأتي هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن الأنبياء (ع)؛ فبينت أن الله تعالى آتى نبيه لوطاً (ع) القول الفصل والسداد في الحكم، والعلم النافع، ونجاه من القرية التي أهلها يعملون الأعمال الشاذة الخبيثة، وجاءت فاصلة الآية؛ لتبين أن قوم لوطٍ (ع) كانوا أهل سوء وخروج عن حد الإنسانية؛ فهم بهيميون في إتيانهم الذكران، وهي فاحشةٌ ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين [٩٢].
- يوسف(ع): ومنه قوله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[٩٣]. حيث إن النبي يوسف (ص) لما بلغ منتهى قوته وشبابه أعطاه الله تعالى فهماً في الحكم وعلماً نافعاً، وإن مثل هذا الجزاء الذي جوزي به النبي يوسف (ع) إنما هو لإحسانه، وفي هذا تسليةٌ للنبي محمد (ص)؛ فالله تعالى معه، يؤيده وينصره، ويعطيه من مدعمات انتشار الدعوة، والحفاظ عليها، ما يكفيه للاستمرار في ذلك [٩٤].
- داود (ع): ومنه قوله تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ[٩٥]. حيث ألهمه الله تعالى بصناعة اللبوس الذي تعنيه العرب بأنه السلاح كله، درعاً كان، أو سيفاً، أو رمحاً، أو غير ذلك [٩٦].
- موسى (ع): ومنه قوله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[٩٧]. فإن هذه الآية الكريمة تبين أنه لما اشتد بدن النبي موسى (ص) وأعطاه الله تعالى من القوة، وتناهي مرحلة التكوين الشبابية، وتم خلقه، واستحكم في سنين معدودة -ذكر بعضهم أنها أربعون عاماً [٩٨]- عندها آتاه الله تعالى حكماً وعلماً، أي: عقلاً وفهماً في الدين، فعلم وحكم قبل أن يبعث نبياً. وتأتي الفاصل القرآنية؛ لتبين العلة من هذه المكرمة الربانية لموسى (ص)، وهي أن هذه الكرامة جزاء المحسنين الذين أحسنوا وأطاعوا [٩٩].
- محمد (ص): فقد قال الله تعالى في حقه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[١٠٠]. وردت هذه الآية في معرض الحديث القرآني عن قصة بني أبيرق، حيث تبين عظيم فضله سبحانه وتعالى على نبيه محمد (ص)، ومن ثم رحمته به؛ إذ لولا فضل الله تعالى عليه ورحمته لهمت فرقةٌ من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم، وإن كانوا أهل إيمان، أن يزلوك عن طريق الحق؛ وذلك لتلبسهم أمر الخائن على النبي محمد (ص)، وشهادتهم أن هذا الخائن ادعي عليه ظلماً، بل وسألوا رسول الله (ص) أن يعذره، وأن يقوم بمعذرته في أصحابه.
لكن الله تعالى يبين أن هؤلاء المختانين يأخذون أنفسهم في غير ما أباح الله تعالى لهم الأخذ بها فيه من سبله.
ثم تبين الآية على وجه التسلية للرسول (ص) أن هؤلاء الناس لا يضرون الرسول (ص)؛ لأن الله تعالى مثبته ومسدده في أموره، ومبينٌ له أمر من سعوا في إضلاله عن الحق في أمره، وأمرهم، ففاضح من ارتكب جريمة السرقة، وفاضحٌ من ستر هذا السارق.
وتبين الآية أيضاً أن الله تعالى أنزل على نبيه (ص) القرآن والسنة، بما في ذلك من حلالٍ وحرام، وأمرٍ ونهيٍ وأحكام، ووعدٍ ووعيد، وأن الله تعالى علم نبيه ما لم يكن يعلم من خبر الأولين والآخرين، وما كان وما هو كائنٌ، فكل ذلك من فضل الله تعالى العظيم عليه [١٠١].
المؤمنون
وقد ورد ذلك في آياتٍ، منها:
قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِراً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[١٠٢].
إن هذه الآية خبرٌ عن قوم بني إسرائيل -كما بينت الآية السابقة- نالتهم ذلةٌ وغلبة عدوٍ، فطلبوا الإذن في الجهاد، وأن يؤمروا به، فلما أمروا نكص أكثرهم على أعقابهم، وصبر الأقل، وهذا كله مثالٌ للمؤمنين؛ ليحذروا المكروه منه، ويقتدوا الحسن [١٠٣]، وتأتي هذه الآية؛ لتفصل ما جرى بين نبيهم (ص) وبين قوم بني إسرائيل من الأقوال والأفعال، إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم، حيث قال لهم -بعد ما أوحي إليه- إن الله تعالى أوحى إلي أن يكون طالوت ملكاً عليكم، وتستأنف الآية؛ لتبين حقيقةً ألا وهي أنهم ردوا بقولهم: من أين يكون وكيف يكون ذلك؟
والحال أنه لا يستحق التملك علينا؛ لوجود من هو أحق منه؛ ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال، فلما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه، وبفقره، رد نبيهم عليهم بأن ذلك اصطفاء من الله تعالى، وزيادةٌ منه جل جلاله لطالوت بوفور العلم؛ ليتمكن من معرفة أمور السياسة، وزيادة في جسامة البدن؛ ليعظم خطره في القلوب، ويقدر على مقاومة الأعداء، ومكابدة الحروب، وقد خصه الله تعالى في العلم والجسم بحظٍ وافر [١٠٤].
وفي هذه الآية دليلٌ على أن وفرة العلم منحةٌ من الله تعالى يمنحها من يشاء من عباده، ومن ثم فإن تقدير العلماء ليس مربوطاً بنسب ولا حسب.
وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ[١٠٥].
فإن هذه الآية تأتي في سياق الحديث عن صفات المتقين، فتبين أن من صفاتهم إذا فعلوا فعلةً قبيحةً صغيرةً كانت أم كبيرةً ذكروا الله تعالى المنتقم الغيور خائفين من بطشه وانتقامه، فاستغفروا منه تعالى على الفور راجين منه العفو والستر لذنوبهم، التي صدرت عنهم، ثم إنهم بعد ذلك يعلمون أنه لا يغفر الذنوب إلا الله تعالى، مما يجعلهم غير مصرين على الذنب، أو العودة إليه، ويعلمون قبح وخامة الإصرار.
وفي هذه الآية دليلٌ على أنه من التحصينات التي يتحصن بها المتقون من الذنوب هو علمهم بربهم من خلال فهم الدين.
وقال تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ[١٠٦] .
حيث بينت هذه الآية الكريمة أن المحكم هو بمعنى الإحكام والإتقان والمنع عما لا ينبغي، بمعنى أنه ما لا يحتمل التأويل ولا النسخ ولا التخصيص ولا التدرج، ويكون معناه واضحاً وضوحاً قوياً، وأما المتشابه فقد اختلف فيه العلماء، وليس هذا هو مقام عرض الخلاف، بل يكفي القول: إن المتشابه هو ما استأثر الله تعالى بعلمه، فيكون المعنى: فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه طلباً منهم لفتنة الناس في دينهم، والتلبيس عليهم، وإفساد ذات بينهم، ولتأويله على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة [١٠٧].
ثم يستأنف الرب تعالى مقرراً لحقيقةٍ، ألا وهي أنه ما يعلم المراد من المتشابه إلا الله تعالى، ثم تستأنف الآية مقررةً لحقيقةٍ أخرى، وهي أن الراسخين في العلم يقولون آمنا بالمتشابه رغم أننا لا نعلم كنهه؛ إذ إنه كلٌ من المحكم والمتشابه من عند ربنا، وفي هذه الآية دليلٌ على أن كل من يتصف بالعقل، وأنه صاحب لبٍ ينبغي أن يسلم بالمتشابه، ولا يقحم عقله بفهم مراده.
الجن
وقد برز ذلك واضحاً في آيات، منها:
قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[١٠٨].
تأتي هذه الآية الكريمة في سياق ذكر قصة النبي سليمان (ص)، فتبين أنه لما جاء قضاء الله تعالى على هذا النبي (ص) بالموت، عندها لم يستدل الجن على موته إلا بعد أن أكلت الأرضة عصاه، فلما سقط على الأرض علمت الجن -بعد التباس الأمر عليهم- أنهم لو كانوا يعلمون الغيب -كما زعموا- لعلموا موته ساعة مجيئه، ولم يلبثوا بعده حولاً مسخرين إلى أن خر على الأرض، أي: ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [١٠٩].
وقال تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ[١١٠].
حيث بين الله تعالى أن من مفتريات الكافرين على الله تعالى أن جعلوا بينه سبحانه وبين العالم الخفي غير المنظور لهم -وهو عالم الملائكة والجن- نسباً وقرابةً، حيث نسبوا إليه سبحانه الولد، والولد لا يكون إلا من زواج، ولا يكون زواجٌ إلا بين متناسبين متقاربين في الصورة والطبيعة، وهذا العالم الخفي يعلم أنه محضرٌ بين يدي الله تعالى، ومحاسبٌ على ما كان منه، فهم خلق الله، ولم يخرجوا على خلقه، فسبحان الله عما يصفه به هؤلاء المشركون [١١١].
وفي هذه الآية دليلٌ على أن الجِنَّةَ من ملائكةٍ وجنٍ يعلمون علم اليقين أنهم سيحضرون بين يدي الله.
الشياطين
وقد برز ذلك واضحاً في قوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ[١١٢].
إن هذه الآية تأتي في سياق الحديث عن الكافرين من أهل الكتاب، وافتراءاتهم على الله تعالى فتبين أنهم نبذوا كتاب الله تعالى، واتبعوا ما تروي الشياطين من أمر النبي سليمان (ص)، وتبين هذه الآية الكريمة أن هاروت وماروت لا يعلمان من أحدٍ حتى يقولا له: إنما نحن مفتونون بأن نعلم السحر فلا تكفر.
وفي هذه الآية دليلٌ على أن العلم نوعان، منه ما هو حقٌ، ومنه ما هو باطلٌ، فتعليم السحر باطلٌ باتفاق [١١٣]، كما أن هاروت وماروت لا يضرون أحداً إلا بإذن وأمر رباني، فمن شاء الله سلطهم عليه، ومن شاء منعهم منه، ويبين الله تعالى بلام قد الموطئة للقسم أنهم أي: الملكين بأن من اختار هذه الفتنة وهذا السحر ما له في الآخرة من نصيب، ثم تأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أنه بئس ذلك الاختيار منهم؛ إذ إن ذلك يجلب لهم غضب الله تعالى، ومن ثم عقابه الشديد، وهذا كله لو كانوا علماء أتقياء [١١٤].
الحيوانات والطيور
إن القرآن الكريم قد بين أن الحيوانات والطيور وكل الخلق يسبحون بحمد ربهم طوعاً وكرهاً، كلٌ بالطريقة التي تتناسب مع طبيعة خلقه، والله تعالى هو وحده الذي يعلم هذه الصلاة وهذا التسبيح منهم.
ومن الآيات التي بينت هذا الأمر ما يأتي: قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ[١١٥].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن الله تعالى ينزهه عن الشرك كل من في السماوات والأرض من المخلوقات، وخاصةً الطير الباسطات أجنحتها في الهواء باصطفاف؛ لأنها تكون بين السماء والأرض إذا طارت، فلعل السامع يغلب على ظنه إذا ذكرت السماوات والأرض أن الطير خارجة عن جملة من فيهن، وما يدل على هذا قوله تعالى: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ[١١٦] أي: من الجملة التي ذكرها الله تعالى من السموات والأرض ومن فيهن، والطير باسطات أجنحتها في الهواء، قد علم الله صلاتهم وتسبيحهم [١١٧].
وإن هاتين الآيتين وغيرهما التي بينت أن جميع المخلوقات تنزه الله تعالى عن الشرك، إنما ذكرت الخلق المحصور في السماوات السبع والأرضين السبع، والطير الباسطات أجنحتها في الهواء، وهذا يدلل على أن القرآن الكريم يعطي الدلائل المحسوسة للناس أن هذه المخلوقات التي هي بين أيديكم ترونها، ولكن لا تفهمون طريقة تسبيحها لله تعالى، وفي هذه دليل عجزٍ لهم، فليس كل ما يرونه يستطيعون أن يصلوا إلى كل جوانب معرفته، فهم المخلوقون الذين علمهم الله تعالى؛ إذ لا معنى لذكر مخلوقاتٍ لا يستطيعون تصور شيء منها؛ ولذلك بينت آية الإسراء أن كل شيء يسبح بحمد ربه ولكن لا يفقه أحدٌ تسبيحهم، دون ذكر أنواع كل شيء من الخلق مما لا يستشعره الخلق، وهذا من بديع نظم القرآن الكريم [١١٨]، كما أن الطيور والحيوانات تعلم كل التسابيح وتفقهها بما يرضي بذلك رب العالمين.
الثناء على أهل العلم
لقد تعددت الأساليب القرآنية في الثناء على أهل العلم، فمنها: ارتضاء شهاداتهم على أعظم العقائد، وحصر كمال الصفات الطيبة فيهم.
وفيما يلي بيان ذلك في النقاط الآتية:
ارتضاء شهاداتهم على أعظم عقائد الدين
إن أكثر الناس حباً لله تعالى، ومن ثم عبادةً له هم أهل العلم؛ إذ إنهم الأعلم به جل جلاله، ومن ثم فإن الرسول (ص) بين أنهم ورثة الأنبياء، فقال: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر) [١١٩].
وعلى هذا فإن الله تعالى قد أكرم أهل العلم بارتضائه جل جلاله لهم أن يشهدوا بتوحيده تعالى، حيث قال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[١٢٠] .
فإن هذه الآية تبين أن أول من شهد أنه تعالى لا إله إلا هو، إنما هو الله جل جلاله، وشهدت الملائكة بعد ذلك، وأولو العلم بعدهم [١٢١].
فقد شهد أهل العلم بعد الملائكة وبعد الله تعالى بالوحدانية؛ لبيان أنه جل جلاله قائمٌ بتدبير الخلق بالعدل؛ إذ إن من أراد أن يكون عدلاً في حكمه فإنه يشهد بوحدانية الله تعالى، فكل الآيات المتلوة والكونية تدلل على وحدانيته فضلاً عن أن الإنسان بفطرته يوحد الله تعالى، والعلم يحفظ الفطرة السليمة من التآكل أو الخلط بثقافات شيطانية، ومن ثم فإن الله تعالى وصف أولي الألباب بأنهم من عرف الحق بفطرته، وتفكر في خلقه بعقله وقلبه ومشاعره.
ويدل على هذا قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[١٢٢].
وأما ما جاء في سبب نزول هذه الآية فهو من كون أن الرسول (ص) قال: «لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةِ آيَةَ وَيْلُ لِمَنْ قَرَأَهَا وَ لَمْ يَتَفَكَّرُ فِيهَا» وقرأ الآية السابقة [١٢٣].
وقد دلت آيةٌ أخرى أن الله تعالى ارتضى شهادة أهل العلم على القرآن الكريم حيث قال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ[١٢٤].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن من الذين علموا الكتاب مؤمنو أهل الكتابين أمثال عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهم، حيث كانت شهادتهم قاطعة لقول أهل الخصوم [١٢٥].
حصر كمال الصفات الطيبة فيهم
وقد برز ذلك واضحاً في عدة آيات.
قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ[١٢٦].
فقد بينت الآيات السابقة أن الله تعالى ضرب مثلاً على الذين لا يعلمون، وهو مثل العنكبوت التي اتخذت بيتاً لا يغني عنها شيئاً لا في حرٍ، ولا قرٍ، ولا مطرٍ، وتبين هذه الآية الكريمة أن جميع الأمثال التي ضربت من العنكبوت أو ما قبله مما حدث مع أقوام النبيين من الكافرين إنما كل ذلك يضربه للناس تنبيهاً لهم، وتقريباً لما بعد من أفعالهم، ولكن النتيجة هي أنه لا يفهمها ولا يتعقل الأمر الذي ضربناه لأجله إلا العالمون بالله تعالى، الراسخون في العلم، المتدبرون، المتفكرون لما يتلى عليهم [١٢٧].
وفي هذه الآية دليلٌ على أن الإنسان لا يفقه أمثال الله تعالى إلا إذا علم، ولا ينجو العالم من غضب الله تعالى إلا إذا عمل بما علم، ويدل على هذا قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ[١٢٨].
وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ[١٢٩].
فكما بينت الآية السابقة اختلاف الجبال في ألوانها فإن هذه الآيات تبين أن من الناس والدواب والأنعام مختلفاً ألوانه كذلك، ثم قال في هذه الآية بأسلوب الحصر: إنما يكون أكثر الناس خشيةً لله تعالى هم العلماء، الذين يعلمون أن الله تعالى على كل شيء قدير، فإن أعلم الناس بالله هم أشدهم له خشية، وإلا فما فائدة العلم اللساني، وقد قال ابن مسعود: ليس العلم من كثرة الحديث، ولكن العلم من الخشية [١٣٠].
ولهذا «قال ربيع بن أنس: من لم يخش الله تعالى فليس بعالم، وقال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل، وعن ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علماً وبالاغترار جهلاً، وقيل ل سعد بن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربه عز وجل، وعن مجاهد قال: إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل، وعن علي قال: إن الفقيه حق الفقه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادةٍ لا علم فيها، ولا علم لا فقه فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها» [١٣١].
وحاصل ذلك القول، فإنه كلما كانت المعرفة لله تعالى أتم، والعلم به جل جلاله أكمل كلما كانت الخشية له عز وجل أعظم وأكثر [١٣٢].
أنواع العلوم في القرآن
تعددت العلوم في القرآن الكريم بما يصعب حصره في هذا المبحث، غير أنه يمكن حصر أصوله في نوعين: علوم وهبية، وعلوم مكتسبة.
وفيما يلي بيان ذلك في النقاط الآتية:
العلوم الوهبية
ويقصد بالعلوم الوهبية تلك العلوم التي وهبها الله تعالى لخلقه سواء أكانت عن فطرة فطر الله تعالى بها من يشاء من عباده، أو عن وحي أوحى الله تعالى به لمن يشاء من عباده، فأما ما كان عن فطرة فمنه ما ورد واضحاً في قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[١٣٣].
فقد بينت الآية السابقة أن عبادة الظالمين للأوثان كانت اتباعاً لأهوائهم بغير علم أتاهم من الله، فما دام الأمر كذلك لا يمكن لأحدٍ أن يهديهم، وليس لهم من ناصرٍ ينصرهم من بعد الله، وتأتي هذه الآية لتضع العلاج المناسب لمسألة التوحيد، والإيمان بالله تعالى من خلال الرجوع إلى دين الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها فهم قد علموا التوحيد قبل أن يكونوا في بطون أمهاتهم أو ظهور آبائهم، حينما كانوا في عالم الذر، ولا تبديل لفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن ذلك الدين الفطري هو الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولكن أكثر الناس الذين تآكلت فطرتهم واستسلموا للشيطان وأعوانه، هم الذين خيم عليهم الجهل بعد العلم [١٣٤].
وأما ما كان عن وحيٍ فقد ورد في قوله تعالى: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ[١٣٥].
فقد بينت الآيات السابقة أن الله تعالى أمر نبيه محمداً (ص) لقومه المكذبين فيما جاءهم به، ومن عند الله تعالى أن هذا القرآن خبرٌ عظيم، وهم عنه منصرفون لا يعملون به، ولا يصدقون بما جاء فيه من حجج الله تعالى وآياته [١٣٦].
وتأتي هذه الآية تكملةً لما سبق؛ لتبين أن الرسول (ص) مخاطبٌ بأن يقول للمشركين: ما كان لي من علم بالملائكة؛ إذ يختصمون في شأن آدم (ص)، حين قال تعالى: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[١٣٧].
وتستكمل الآيات خطاب الله تعالى لرسول الله (ص) بقوله: قل يا محمد أيضاً إنما أنا عليه من التبليغ لهذا الدين إنما هو وحيٌ مما يوحى إلي، وإنما أنا منذر [١٣٨].
العلوم المكتسبة
وهي العلوم التي تقوى وتزداد بكسب الإنسان من التعلم سواء أكانت علوماً محمودةً أو مذمومة، فأما العلوم المحمودة الكسبية فقد وردت في عدة آيات.
قال تعالى: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ[١٣٩].
فإن السياق القرآني يتحدث عن قوم هود (ع) وتبليغ نبيهم لهم، محذراً إياهم من الاغترار بنعم الله تعالى التي أعطاها إياهم، ومن جملتها ما ذكره في هذه الآية، أي: أعطاكم الله تعالى بما تعلمون من جميع أوجه الخير، ومنها إعطاؤكم أنعاماً وبنين، وجناتٍ وعيون، وغير ذلك [١٤٠].
وإن هذا العلم وإن كان محموداً إلا أنه استدراجٌ من الله تعالى، فلا يغرن أحداً إمهال الله تعالى له، على ما يقترف من الذنوب والآثام، فإنه قد يكون ذلك مسارعةً في الخيرات بجني ثمار ما يفعل في الدنيا؛ حتى يكون صفر اليدين يوم القيامة، فالعلم هنا محمودٌ في ذاته لكنه ليس محموداً في مقصوده، والله تعالى أعلم.
وقال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[١٤١].
فإن هذه الآية تبين أنه جل جلاله خلق الخلق من غير مشورة لهم، وأثبتهم على الوصف الذي أراد، فلم يعلموا بما سبق حكمهم [١٤٢]، ولا يعلمون أيضاً أي جانب من جوانب العلم المكتسب، ثم أعطاهم الله تعالى أدوات العلم، وهي: السمع ليسمعوا جوانب العلم ومدركاته، والأبصار لينظروا في ملكوت الله تعالى، فتتحقق بالمران، بعد توفيقه تعالى جوانب متقدمة من العلوم، ثم جعل القلوب ليكون هذا القلب بمثابة المصفاة التي تصفي تلك العلوم المكتسبة، فتبتكر علوماً مما تم اكتسابه، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن العلة من خلق الله تعالى للبشر ومن ثم إعطاؤهم أدوات المعرفة هي أن يشكروا الله تعالى على نعمائه.
وأما العلم المذموم، فمنه ما ورد على لسان الطغاة، كقارون حينما قال الله تعالى عنه: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ[١٤٣].
حيث إن هذه الآية تأتي في سياق الحديث عن قصة قارون واغتراره بما أعطاه الله تعالى من المال، فيقول رداً على أهل العلم والإيمان الذين وعظوه وذكروه بالله تعالى إنما أوتيت هذا المال على فضلٍ وخيرٍ عندي؛ إذ إنني من أهل العلم بالصنعة آخذ هذا المال بفضل خبرتي في مجالي الذي أنا متميز فيه [١٤٤].
فرد الله تعالى بأسلوب غير مباشر، فهو أصغر من أن يخاطبه الله تعالى خطاباً مباشراً، فقال جل شأنه: أو لم يعلم هذا الأفاك أن الله تعالى قد أهلك من تجبر وظلم أكثر منه ممن قبله ممن هو أكثر شدةً وقوة منه، وله جمع ملتفٌ حوله، ثم تأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أن المشركين لا يسألون عن ذنوبهم، فهم يعذبون ويدخلون النار بغير حساب [١٤٥].
وعلى هذا فإن العلم المذموم هنا هو الذي ادعاه قارون، وخالف شرع الله تعالى فيه، وعدم عزوه الرزق إلى الله تعالى، كما أن المذموم هو سلوكه السيئ بدلاً من الشكر على نعمة العلم لله تعالى.
آداب المعلم والمتعلم
أشارت آيات العلم الواردة في القرآن الكريم إلى مجموعة من الآداب، منها:
الإيقان بأنه فوق كل عالم من هو أعلم منه
قال تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ[١٤٦].
فإن هذه الآية الكريمة تأتي في سياق الحديث عن قصة يوسف (ع) وكيد إخوته له، فلما تولى الوزارة ودخلوا عليه أراد أن يأخذ أخاه من أبيه وأمه، وهو الذي لم يكن مشتركاً معهم في كيدهم له، فأوحي إليه أن يكيد كيداً، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أنه فوق كل عليم من هو أعلم فيكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، قال قتادة والحسن: والله ما من عالم على ظهر الأرض إلا فوقه من هو أعلم منه؛ حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى الذي علمه، ومنه بدأ وإليه يعود [١٤٧].
إسناد العلم لواهبه عز وجل
قال تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ[١٤٨].
حيث تبين هذه الآية أن الراسخين في العلم هم الذين يقولون آمنا بهذا المتشابه، فصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله.
العلماء أكثر الناس خشية لله تعالى
لأنهم الأكثر معرفة له، وبه جل جلاله، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ[١٤٩].
أي: إنما يخاف الله تعالى ويتقي عقابه العلماء؛ لأن من علم قدرة الله تعالى أيقن بالمعاقبة على المعصية فخاف الله واتقاه [١٥٠].
وقد ذكر بعض المفسرين أن العلماء هم المؤمنون [١٥١]، وهو رأي مقبول؛ إذ إن المؤمنين هم الذين استسلموا لعلمهم الفطري بتوحيد الله تعالى ولم يخالطوه بعلم مكتسب مذموم، بل إنهم وجهوا عقولهم إلى ما يعزز علم الفطرة، بإفرادهم الله تعالى في الربوبية والألوهية، والأسماء والصفات، وأركان الإيمان بما يقوي عندهم الطاعة والعبادة، وعلى هذا فإنه لا يعقل أن يسمى المؤمن غبياً؛ إذ إن العلماء محصورون في المؤمنين حق الإيمان، الذين عاشوا في دنياهم لأجل آخرتهم، وانضبطوا بشرع الله تعالى، ونهلوا من العلم النافع، ووهبوا حياتهم وأرواحهم لأجل ربهم.
ثم إن طلاب العلم ينبغي أن يتقوا الله تعالى؛ حتى يعطيهم من العلم، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[١٥٢].
وهذه هي الفاصلة القرآنية لآية الدين، التي تتعلق بإرشاد الناس إلى ضبط مصالحهم وتنظيم حياتهم المعاشية منها، حيث تختتم الآية بالأمر بالتقوى؛ لأنها ملاك الخير، وبها يكون ترك الفساد، وبيان تعليم الله تعالى للخلق تذكيراً بنعمة الإسلام، الذي أخرجهم من الجهالة إلى العلم بالشريعة، وقد وعد بذلك؛ لأنه جيء فيه بالمضارع، وفي عطفه على الأمر بالتقوى إيحاءٌ إلى أن التقوى سبب إفاضة العلوم [١٥٣].
أثر العلم في الرقي الحضاري
يركز هذا المبحث على بيان أثر العلم الذي أعطاه الله تعالى من سار على سنن الله تعالى الكونية، سواء أكان مؤمناً مجتهداً في التعاطي مع هذه السنن التي لا تحابي أحداً، وهي ماضيةٌ وفق ما يريده الله تعالى، أو كان كافراً لا يؤمن بهذه الحياة الدنيا، وهذا كله في العلم الدنيوي.
أما في العلوم الشرعية التعبدية فإن عيش الأمة على هدىً من أمرها، وبعدٍ عن الخرافات والبدع التي تفسد العقل، وتذيع السوء والفاحشة، وتجعل العالم من حضارته حضارة مزيفة ليست قائمةً على رقيٍ ملموسٍ، ومن ثم فإنه يمكن القول إن أثر العلم في الرقي الحضاري قد بينه القرآن الكريم في آيات لعل أبرزها قوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[١٥٤].
حيث تأتي هذه الآية في سياق بيان خلق الله تعالى لكل شيء، ومنها ما تذكره هذه الآية من خلق الخيل، وهم اسم جنس للفرس، وكذلك خلق البغال والحمير، وقد بينت الآية سبب خلق هذه الأنواع الثلاثة من المخلوقات، وهو الانتفاع بها بالحمل من ركوب على ظهرها، مما يجلبه ذلك من نفع في تسهيل السفر والترحال، وأما قوله: وَزِينَةً فهي زينة لأجل الركوب، وقد قدم الركوب على الزينة؛ لأن الأول أهم في الانتفاع من الثاني، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتخبر «بأنه سبحانه يخلق من الخلائق ما لا علم لنا به دلالةً على قدرته الباهرة الموجبة للتوحيد، كنعمه الظاهرة والباطنة» [١٥٥].
وفي هذه الآية دليلٌ على أنه جل جلاله يبين دائماً عظيم نعمه على عباده، ومنها نعمة الركوب، ومن ثم تسهيل عملية الحركة والسفر؛ لسرعة التواصل بين البشر، مما يذلل العقبات أمام انتشار العلم، وتبادل الثقافات التي تطور العلوم التي يتوصل إليها بلدٌ من البلاد، وإن العلم الدنيوي مطلوبٌ كي لا يقع المسلمون في الحرج.
وعلى هذا فإن الآية تحث على الاستغلال الأمثل للمواصلات بما يرقى من خلاله المجتمع المسلم في كل أموره المعاشية، ومما يدل على هذا أن الآية التالية تنبه على أمور المعاد، فيكون معناها: كما يدبر سبحانه أمور معاش عباده على الوجه الأليق بحالهم، كذلك له سبحانه أن يدبر لهم أمور معادهم؛ بل هي أولى بالتدبير على الله المصلح لأحوال عباده.
وإن أول آياتٍ نزلت في القرآن الكريم على قلب النبي (ص) كانت تأمر بالقراءة التي هي مفتاح العلم الموصل إلى الله تعالى، حيث قال الله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[١٥٦].
وقد اشتملت هذه الآيات على أمورٍ، منها:
- الحث على القراءة بل والأمر بها، والمقصود بالقراءة هنا حسن الطلب للعلم بما يشمل حسن التلقي للعلم، ومن ثم السعي لتطوير ذلك العلم الذي تلقاه، والاستفادة منه عملياً في العلوم التي تقبل الاجتهاد، أما العلوم العقدية الأصولية، فإنه يكفي أن يتلقاها الإنسان ويجتهد في تطبيقها.
- جاء الأمر بالقراءة مرتبطاً بمراحل خلق الإنسان، حيث يقول تعالى: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ[١٥٧]. وقد أفاد ذلك في الحث على معرفة الأسرار الخفية في خلق ذلك الإنسان، كيف لا والله تعالى يقول: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ[١٥٨].
- جاء الأمر بالقراءة مرتبطاً بالإيقان الكامل أن الله سبحانه وتعالى أعز وأكرم من كل شيء، قال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ[١٥٩].
- بينت الآيات أنه سبحانه وتعالى علم بالقلم الذي هو صيد كل العلوم، حيث قال الله تعالى: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ[١٦٠].
- جاء الأمر بالقراءة مرتبطاً ببيان أن كل علم تعلمه الخلق إنما هو من الله تعالى، حيث قال الله تعالى: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[١٦١].
موسى والخضر عليهما السلام
يركز هذا المبحث على عرض أهم الدروس المستفادة من رحلة موسى والخضر عليهما السلام في طلب العلم، دون التركيز على ما هو ليس داخلاً في طلب العلم؛ انسجاماً مع سياق الدراسة العام، وعلى هذا فإنه يمكن إجمال الدروس المستفادة بالنقاط الآتية:
- تواضع العالم، وهذا يعني ألا يتعامل الإنسان مع نفسه أنه أعلم الناس، ولا يجزم بذلك حتى لو كان نبياً مرسلاً، ومما يدل على هذا ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس ما قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلُ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ إِلَى مُوسى: بَلى عَبْدِنا خَضِرٍ» [١٦٢].
- الكد والتعب لأجل العلم، وهذا يستفاد من قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً[١٦٣]. أي: «واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لفتاه يوشع: لَا أَبْرَحُ يقول: لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين» [١٦٤].
- إيقان العالم أن الشدة تكون فيها قرب الفرج، فإن النبي موسى (ع) حينما نسي فتاه الحوت أدرك أنه وصل إلى الخضر (ع) [١٦٥].
- التلطف في طلب العلم، وهذا في حسن طلب موسى من الخضر أن يعلمه مما علمه الله تعالى، قال عز وجل: فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً[١٦٦] حيث تبين هاتان الآيتان أن النبي موسى (ع) قال للخضر (ع): جئت لأتبعك وأصحبك؛ لأجل أن تعلمني علماً ترشدني به [١٦٧].
- اختبار المعلم لقدرة المتعلم، وقد جاء هذا في قول الخضر كما في الآية: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً[١٦٨] وإنما قال الخضر ذلك؛ لأنه علم أن موسى (ع) سيرى أموراً منكرةً، ولا يجوز للنبيين أن يصبروا على المنكرات، ثم بين عذره في ترك الصبر بقوله: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً[١٦٩] أي: علماً.
- الأدب الرفيع في صحبة المعلم، وذلك حينما رد موسى (ع) على الخضر (ع) في قوله تعالى: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً[١٧٠] حيث علق المشيئة على رب العالمين.
- عدم تعجل النتائج في العلم مع الثقة بالمعلم، قال تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً[١٧١] أي: فإن صحبتني فلا تسألني عن شيء حتى أكون أنا الذي أفسره لك [١٧٢]، وقد كان هذا بمعايشة الحادثة، ثم إعطاء الحكم عليها، ولا شك أن هذه طريقةٌ طيبة في تحصيل العلم.
- العالم ينسب العيب إلى نفسه، والمشيئة إلى ربه، قال تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً[١٧٣] أي: أجعلها ذات عيب [١٧٤]، وهذا أدبٌ رفيع من الخضر (ع) مع ربه؛ إذ إنه موحىً إليه من الله تعالى، ويدل على هذا قوله تعالى: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً[١٧٥].
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١٠٩.
- ↑ انظر: مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/٨٣.
- ↑ انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤١٧، مختار الصحاح، الرازي ص٢١٧.
- ↑ التعريفات، الجرجاني ص١٥٥.
- ↑ التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٤٦.
- ↑ الحدود الأنيقة، السنيكي ص٦٦.
- ↑ موسوعة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
- ↑ انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٢٧٦.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٦٠.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٧٧.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٩٨.
- ↑ سورة الأنعام، الآية ٧٣.
- ↑ سورة الحجر، الآية ٢١.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٤٠.
- ↑ سورة طه، الآية ١١٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٩.
- ↑ سورة المائدة، الآية ١٠٩.
- ↑ انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١١٠، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤١٦.
- ↑ سورة الحجرات، الآية ١٦.
- ↑ انظر: لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٣٦.
- ↑ انظر: الحدود الأنيقة، السنيكي ص٦٦.
- ↑ القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٢٥٠.
- ↑ انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٦٨.
- ↑ انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٦٨.
- ↑ انظر: التعريفات ص ٢٥٩، الكليات ص ٩٧٩.
- ↑ انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٩٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٣٩٩.
- ↑ التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٤٧.
- ↑ انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/١٢٩، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٣٢٢.
- ↑ المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٠٩، العين، الفراهيدي ٣/٣٩٠.
- ↑ سورة الرحمن، الآية ٣-٤.
- ↑ انظر: تفسير المراغي ٢٧/١٠٥، نظم الدرر، البقاعي ١٩/١٤٣.
- ↑ سورة النحل، الآية ٣-٨.
- ↑ انظر: فتح البيان، صديق حسن خان ٧/٢١١.
- ↑ انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/١٧٩.
- ↑ سورة المعارج، الآية ٣٨-٣٩.
- ↑ إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/٣٤.
- ↑ سورة يس، الآية ٨١.
- ↑ انظر: تيسير التفسير، القطان ٣/١٤٥.
- ↑ سورة يس، الآية ٣٦.
- ↑ انظر: أوضح التفاسير، محمد الخطيب ص٥٣٨.
- ↑ سورة الجن، الآية ٢٥-٢٦.
- ↑ انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٤٥٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٣٠-٣٢.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٣١-٣٢.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٢٣٢.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٨٥.
- ↑ سورة الأنبياء، الآية ٨٠-٨١.
- ↑ انظر: تفسير السمرقندي ٢/٤٣٥.
- ↑ سورة المائدة، الآية ١٠٩.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٤/١٢٣٥، ١٢٣٦.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٦-٧.
- ↑ سورة الجن، الآية ٢٨.
- ↑ انظر: الوجيز، الواحدي ص١١٤٣.
- ↑ سورة النمل، الآية ٦٥.
- ↑ الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٨/٥٤٥٧.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٨٧.
- ↑ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول الله جل ذكره: (أحل لكم ليلة الصيام)، ٣/٢٨، رقم ١٩١٥، أسباب النزول، الواحدي ص٥٤.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٤٩٤.
- ↑ سورة لقمان، الآية ٣٤.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٨٧.
- ↑ انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٤٩.
- ↑ سورة الذاريات، الآية ٢٢-٢٣.
- ↑ سورة لقمان، الآية ٣٤.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٥٩، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٣٧٩.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٨٥.
- ↑ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب قول الله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، ١/٣٧، رقم ١٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب سؤال اليهود النبي (ص) عن الروح ٤/٢١٥٢، رقم ٢٧٩٤. وانظر: أسباب النزول، الواحدي ص٢٩٩.
- ↑ انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص٤٢٢.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٢٢-٢٣.
- ↑ انظر: تفسير السمرقندي ٢/١٤، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٥/١٦٧٧.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٣٥.
- ↑ انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص١٥٠.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢١٦.
- ↑ انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٨- ٣٩.
- ↑ سورة النور، الآية ١٩.
- ↑ انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٥١٢.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٣.
- ↑ انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٨٥.
- ↑ انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٨٥.
- ↑ سورة الصافات، الآية ١٦٤.
- ↑ انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٥٥.
- ↑ سورة الإنفطار، الآية ١٢.
- ↑ انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/٧٧.
- ↑ سورة ق، الآية ١٨.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٤٤.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٤٩.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٣١.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٣٠.
- ↑ انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١/٥١١- ٥١٢.
- ↑ سورة مريم، الآية ٤٣.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٢٠٣، ٢٠٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١١١.
- ↑ سورة الأنبياء، الآية ٧٤.
- ↑ انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص٤٨١.
- ↑ سورة يوسف، الآية ٢٢.
- ↑ انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ص٢٣٧.
- ↑ سورة الأنبياء، الآية ٨٠.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٤٨٠.
- ↑ سورة القصص، الآية ١٤.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٣٥.
- ↑ انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٣٥٩.
- ↑ سورة النساء، الآية ١٣.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٢٠٠.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٧٤.
- ↑ انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ١/٤٨٨.
- ↑ انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٢٤٠.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٣٥.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ٧.
- ↑ انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٣٦١.
- ↑ سورة سبأ، الآية ١٤.
- ↑ انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٤٤.
- ↑ سورة الصافات، الآية ١٥٨.
- ↑ انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٢/١٠٣٨.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٠٢.
- ↑ انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٢٧٧.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/١٦٦.
- ↑ سورة النور، الآية ٤١.
- ↑ سورة النور، الآية ٤١.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٩٩.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٢٤٠.
- ↑ أخرجه الترمذي في سننه، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة ٤/٣٤٥، رقم ٢٦٨٢، وابن ماجه في سننه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم ١/٨١، رقم ٢٢٣. وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٧٩، رقم ٦٢٩٧.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٨.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٦٧.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٩٠-١٩١.
- ↑ أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الرقائق، باب التوبة، ذكر البيان بأن المرء عليه إذا تخلى لزوم البكاء على ما ارتكب من الحوبات وإن كان بائناً عنها مجداً في إتيان ضدها ٢/٣٨٦، رقم ٦٢٠. قال الألباني: وهذا إسنادٌ جيد، رجاله كلهم ثقات غير يحيى بن زكريا، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، قال: ليس به بأس، هو صالح الحديث. انظر: السلسلة الصحيحة ١/١٤٧.
- ↑ سورة الرعد، الآية ٤٣.
- ↑ انظر: الوجيز، الواحدي ص٥٧٦.
- ↑ سورة العنكبوت، الآية ٤٣.
- ↑ انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٣٥، ٢٣٦.
- ↑ سورة الروم، الآية ٢٢.
- ↑ سورة فاطر، الآية ٢٨.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/٣١٨٠.
- ↑ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٣٤٣، ٣٤٤.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٤٤.
- ↑ سورة الروم، الآية ٣٠.
- ↑ انظر: الوجيز، الواحدي ص٨٤٢.
- ↑ سورة ص، الآية ٦٩.
- ↑ انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٢٣٥.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٣٠.
- ↑ انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٧٦.
- ↑ سورة الشعراء، الآية ١٣٢.
- ↑ انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٦٢.
- ↑ سورة النحل، الآية ٧٨.
- ↑ انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٣١١.
- ↑ سورة القصص، الآية ٧٨.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٩/٣٠١٢.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٩/٣٠١٣.
- ↑ سورة يوسف، الآية ٧٦.
- ↑ انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٢٤٢.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ٧.
- ↑ سورة فاطر، الآية ٢٨.
- ↑ انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٩/٥٩٧٢.
- ↑ انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/٣٠.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٨٢.
- ↑ التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١١٨.
- ↑ سورة النحل، الآية ٨.
- ↑ إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٩٨.
- ↑ سورة العلق، الآية ١-٥.
- ↑ سورة العلق، الآية ٢.
- ↑ سورة الذاريات، الآية ٢١.
- ↑ سورة العلق، الآية ٣.
- ↑ سورة العلق، الآية ٤.
- ↑ سورة العلق، الآية ٥.
- ↑ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم باب ما ذكر في ذهاب موسى (ع) في البحر إلى الخضر ١/٢٦، رقم ٧٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل الخضر (ع) ٤/٢٨٥٢، رقم ٢٣٨٠.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٦٠.
- ↑ جامع البيان، الطبري ١٨/٥٥.
- ↑ انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٢٠٤.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٦٥-٦٦.
- ↑ انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٠٦.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٦٧.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٦٨.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٦٩.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٧٠.
- ↑ انظر: الوجيز، الواحدي ص٦٦٨.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٧٩.
- ↑ انظر: الوجيز، الواحدي ص٦٦٩.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٨٢.